الأحد، 21 ديسمبر 2014

كذبة اسمها تطوع



بسم الله الرحمن الرحيم

أعرف شخصًا ضمن قائمة المبدعين، عرفته عن طريق صديق مشترك بيننا، وبعد أن توطدت علاقتي به.. سألته عن سبب عدم تواجده الدائم مع المجموعة التطوعية التي ينتمي لها صديقي، فقال ما معناه أنه لا يسمح لأحد أن يتسلق سلم المجد والشهرة فوق ظهره.

لم أعلّق على كلامه، وانتقلنا لموضوع ثانٍ، ثم ثالث، واستمرت سهرتنا تلك الليلة على أجمل وجه، وبعد مدة كنت برفقة صديقي الذي تبدّلت أوضاعه بعد انضمامه لتلك المجموعة، بدأت أراه أكثر تحررًا وأقل التزامًا، وهذا وفق ما بدا لي، وأرجو أن أكون مخطئًا.

بصفتي صديقًا مخلصًا أنشد الخير لمن يهمني أمره، نصحته مرارًا بمراجعة، فهو لم يعد هو كما عهدته، ونقلت له كلام (المبدع) عن تلك المجموعة، لكن صاحبي لم يقتنع.

كان من ضمن كلام (المبدع) أن مجموعة (الفَلَس) تحاول عزل المنتسب لها عن المجتمع، وأن تكون هي حلقة الوصل بين المنتسب وأي شخص خارج المجموعة، ويوفرون له كل وسائل الراحة كي لا يحتاج لغيرهم، ثم يولّدون في الاتكالية فليجأ لهم في كل أحواله.

أراهم قد نجحوا في مخططهم، فلقد استطاعوا أن يفرقوا بين المرء وصحبه، وصرت لا أرى صاحبي إلا مرة في الشهر، وأحيانًا شهرًا وبضعة أيام.

في آخر لقاء بيننا أخبرني بأمر لم ينل ذرة من اهتمامي، وهو أن أعضاء مجموعته (المخادعين والمخدوعين) قد غيّروا نظرتهم عني، وصاروا ينظرون إليّ نظرتهم للشخص غير المحترم، وبلهجة عامية: (سقطت من أعينهم)، وما أجمله من سقوط..!! هم لم يكونوا بعيني يومًا، فكيف سأهتم حين يسقطوني من أعينهم..!!

لست أدري حتى متى سنرى أناسًا يستغلون غيرهم للوصول لمبتغياتهم، هم أناس عجزوا عن الوصول للمجد بمجهودهم، فلجؤوا لسرقة جهود وإبداعات غيرهم، والمصيبة أن الكثير يصدقهم، ويحسبهم مريدين له الخير، لله درّ إتقانهم للتمثيل.

النجاح في أمر ليس صعبًا، ومن المعينات عليه أن ينضم أحدنا لمجموعات تعينه ليصل معهم لما يطمح ويطمحون، وليس أحد -سوى الأحمق- من يصدق أن المجموعة سترضى أن تكون ضحية لهم بإرادتها، لأنه بذلك التصديق سيكون هو الضحية المغرر بها.. أفق يا مسكين.

بعض المجموعات يقومون بما يلي:

"يجدون الرجل طريح الأرض، لا يقوى على القيام لانعدام الدافع لديه، فيستغلون الإحباط عنده، ويصعدون معه إلى القمة، وفي طريق للوصول فإنهم يرمونه ويمسكون بغيره ممن هو أسرع منه، وهكذا يستمرون حتى يصلوا لما يريدون، في تلك الأثناء نجد المسكين قد سقط شر سقطة زادته نكالًا وخزيًا".

كن أذكى منهم، واستفد ممن يفيدك، ولا تكن لقمة سهلة لمن يريد استغلالك، فإن لك في الوجود غاية، أنت صاحب هدف ولست وسيلة لتحقيق أهداف غيرك، حياتك قصيرة فلا تسخرها لغيرك على حساب نفسك.

وأقول للمستغلين: أساليبكم مكشوفة، وأوراقكم احترقت منذ زمن، فاتقوا الله في أنفسكم وفيمن يؤمن بكم، لا تشوّهوا صورة العمل التطوعي، فلقد مللنا من الفرق التطوعية التي تظهر.. ثم تختفي فجأة بمجرد أن حقق أصحابها مآربهم أيًا كانت، العمل التطوعي أصفى وأنقى من أفعالكم العوجاء.

سعد المحطب 
21-12-2014
Twitter: Saad_ALMohteb

السبت، 6 ديسمبر 2014

رأيت نعشه



بسم الله الرحمن الرحيم

حين أصدرت كتابي الأول (قهوة الثلاثاء) كان ينقصني أمر مهم، وهو وجود صديق الطفولة بجانبي، لكن ذلك كان شبه مستحيل، فلقد نشب بيننا خلاف قبل مدة ولم تستقم العلاقة بعد.

بعد انتهاء المعرض ببضعة أيام، ذهبت لزيارة صديق يسكن في نفس الشارع الذي يسكن فيه صديق الطفولة (عبدالعزيز)، صليت العشاء في المسجد القريب، وبعد انتهائي رأيت والده، هو شيخ كبير لكنه يذكرني، سلمت عليه وأعدت تعريفه بنفسي، ثم ناولته نسخة من الكتاب ليتسلى بقراءته، فقال: "سأعطيه (عبدالعزيز) وأخبره بأنه إهداء منك له، لعل علاقتكما تعود كما كانت".

لم أتوقع بأنه أخبر والده بما كان بيننا، فقلت: "لا بأس، وشكرًا لك مقدمًا"، ومضيت في طريقي، وبعد ذلك الموقف بأيام رأيت (عبدالعزيز) مصادفة في المطار، سلمت عليه وتحدثنا قليلًا، ومضى كلّ منا في طريقه، وقُبيل معرض الكتاب الأخير رأيته مرة أخرى، وطلبت منه ألا ينسى زيارتي في المعرض، فأكد لي بأنه سيحضر، ومضى كلّ منا في طريقه.

لم أشاهده طوال فترة المعرض، وبطبيعة الحال فإني لا أعاتب من لا يزورني هناك، بعد انتهاء فترة المعرض قلت في نفسي: "لعلّي أراه أو أرى والده في نفس المسجد، فأهديه الكتاب".

في يوم الجمعة، جلست وأهلي للغداء في الأجواء الرائعة، فأتتني رسالة ليتها أخطأتني: "انتقل إلى رحمة الله تعالى عبدالعزيز محمد الفليج".

ظل الأمل في داخلي ألا يكون صاحبي، لكن رسالة أخرى وصلت بنفس المحتوى وبنص مختلف: "تُوفيّ الشاب عبدالعزيز محمد عمر الفليج"، هذه الرسالة لم تدع مجالًا للشك، لفظ (الشاب) واسم جده قطعا الشك باليقين، رُبط لساني وجرى الكلام على يدي، فكتبت بضع تغريدات في (تويتر)، علّها تخفف حزني:

"ليت ربي أبقاك لألقاك قبل رحيلك"

"لم تفِ بوعدك يا (عبدالعزيز)، قلت سابقًا: سألحقك حيث ذهبت، وها أنت سبقتني وذهبت"

"لم تُكتب لنا صحبة طويلة في الدنيا، ولم تهنئني بكتابي الثاني كما فعلت في الأول، غدًا ستوارى التراب، ولن أراك ثانية"

"أصلح الخلل مع أي صديق، فلربما يرحل أحدكما دون وداع، ولن يجدي الخطاب للتراب الأصم، الحمدلله الذي صفى قلبينا مما ألمّ بهما"

"لعل روحه تنظر إليّ، ولعلّي مررت بباله حين احتضر، ولعلنا دخلنا في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ورجلان تحابا في الله"

قطع حبل حزني عليه كلام نقله لي ابن خاله: "(عبدالعزيز) كان يحبك، ودايم يسولف لي عنك، نعم الأخ والصديق"، رحم الله صاحبي، وغفر له، وأدخله الجنة بغير حساب أو سابق عذاب.

لعل المقالات القادمة تحوي بعضًا من ذكرياتي معه، أما الآن فلا مجال لذكر أيّ منها، فمنظره يُحمل من نعشه إلى قبره لا يزال في ذهني، إذ كان من أواخر الناس الذين رجوت رؤيتهم يُدفنون، لكنّا في النهاية لا نقول إلا ما يرضي ربنا: "إنا لله وإنا إليه راجعون".

سقاك الله كوثر نبيه، ورزقك أنهارًا من (حليب الشوكلاطة) كما كنت تسميه.
للحديث بقية بإذن الله.

سعد المحطب
6-12-2014
Twitter: Saad_ALMohteb

الجمعة، 7 نوفمبر 2014

نام الإطار



بسم الله الرحمن الرحيم

ذهبت قبل شهر لإجراء الصيانة الدورية لسيارتي، فطلب مني الموظف دفتر ملكية السيارة، بحثت عنه فلم أجده، فقام الموظف -مشكورًا- بتدبر الأمر بلا دفتر، وانتهى ذلك الموقف.

عندما عدت للبيت، لم أذر بقعة في السيارة إلا بحثت فيها، لكن دون جدوى، إذن فلا حل إلا باستخراج (بدل فاقد)، تكاسلت كثيرًا وأخّرت الأمر لأجل غير مسمى.

حان موعد الذهاب لعيادة الأسنان في (الخفجي) بعد ذلك الموقف بأيام، ولم أستطع -بطبيعة الحال- أن أذهب بسيارتي لأني لن أستطيع تجاوز الحدود.. لا بأس، فصهري (عمر) أبدى استعداده للذهاب معي بسيارته، وهكذا حُلّت المشكلة.

قبل موعدي المقرر معه بساعات قليلة اعتذر لعدم استطاعته، لأنه سيوصل والدته (عمتي) لمكان ترغبه، وقد يتأخر، قلت: "لا بأس"، واتصلت بصديقي (محمد) وأخبرته بالأمر، فأبدى استعداده للذهاب معي، وأتى إليّ في البيت لنذهب معًا.

ما إن ركن سيارته حتى بشّرني: "مكيف الهواء لا يعمل، والجو حار.. والخيار لك".

تذكرت أن سيارة أختي مسجلة باسمي، فأعلمتها بالأمر وأخذت مفتاح السيارة، وصلت إلى الموعد متأخرًا قليلًا، وتناولنا عشاءنا -أنا ومحمد- في مطعم الطفولة: (الأرنب الجائع)، ثم عدنا للكويت.

قرأت لوحة إرشادية تخبرنا بأننا في منطقة (بنيدر)، ثم بعد دقيقة بدأت أسمع صوت خلل في إطارات السيارة، توقفت جانبًا، فإذا به قد غط في سبات عميق، والهواء لا يزال يُفرغ منه.

تدبرنا أمرنا وأصلحنا الخلل بعد أحداث درامية استمرت لقرابة الساعتين، ثم حُلّت المشكلة وعدنا للبيت.

خلاصة الأمر.. لم أغضب مما حدث ولو لحظة، بل ما ازددت إلا يقينًا ببديع صنع الله وحسن تدبيره للأمور.

لأوضح الأمر:

"إطار سيارة أختي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، وكان على وشك الانفجار.

بفضل الله.. أضعت دفتر ملكية سيارتي، ولم أستطع السفر بها، واعتذر صهري في الساعات الأخيرة قبل الموعد، ثم تعطّل (التكييف) في سيارة صديقي.

كل ما حدث أجبرني على استعارة سيارة أختي للذهاب إلى الموعد، ليحدث ما حدث للإطار معي أنا وليس معها هي في اليوم التالي، وهذا أمر لو حدث -لا قدّر الله- سيسبب ربكة وتعطيلًا لها، وربما لأبي أو أخي أو لي".

وددت لو أني أستطعت التعامل مع كل الظروف بتلك العقلية التي ألهمني إياها ربي في يوم موعد طبيب الأسنان، فلا شيء يحدث لنا -خيرًا أو شرًا- إلا لحكمة قد نعلمها أو نجهلها، المهم هو أنها تحدث لحكمة.

في هذا المقام، يقول (ابن القيّم) رحمه الله: "لو علمتم كيف يدبّر الله لكم الأمور، لذابت قلوبكم من محبته".

قد يقول قائل أني أتحدث بالمثاليات، لكن هذا القائل لو علم شدة بُغضي لها لما قال ما قاله، أنا أحدثك عن إله يَعلم ما لا يُعلم، فهل سيعزب عنه أمر بسيط كالذي حدث معي..!!

انظر للتدبير، وانظر للنواميس المنتظمة، هل تعرف دقة مثلها؟ لا والذي براك وبراني، لا تنقص ذرة إلا ليُتاح المجال لغيرها لتأتي بأفضل ما كانت تلك تأتي به، ولا تكون مشكلة إلا لتُحل مصيبة.. أقلّها أن الذنوب تُكفّر بالبلاءات.. ألا يكفيك ذلك؟

دع الخلق للخالق، وارضَ بما يحصل، ولا تكن ممن يشتكي الخالق للخلق، فإن ذلك إثم عظيم.

سعد المحطب
الكتابة: 4-11-2014 
النشر: 7-11-2014
TWITTER: Saad_ALMohteb

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

هلا طائفية



بسم الله الرحمن الرحيم
 
قُبيل انتخابات مجلس الأمة 2012 (الأولى) استضافت إحدى القنوات الكويتية مرشحين اثنين، والبرنامج بطبيعة الحال سياسي، من تقديم المذيع (فلان الفلاني).

أحد المرشحين كان يمثل التيار الإسلامي السنّي، والآخر يمثل التيار الإسلامي الشيعي، وحقيقة فإن اختيارهما كان أحد أمرين:

1-    ذكاء شديد من معدّي البرنامج.
2-    ضربة حظ كانت من صالح القائمين على البرنامج.
لأن المرشحين كانا من القلة الذين يحظون باحترام كلا المذهبين، بل كل التوجهات والأيدلوجيات السياسية، لم يكن البرنامج من برامج المناظرات، كان أشبه بعصف ذهني لكل ضيف كي يحسّن من أدائه في حال فوزه، وبالمناسبة.. فاز أحدهما وفشل الآخر.

لم تجرِ على لسان أي من الضيفين كلمة (سنّة) أو (شيعة)، ولم يتطرقا لأي خلاف مذهبي، بل انصب حديثهما عن الأحوال العامة في الكويت، وناقشاه من منظور سياسي اجتماعي، ولم يتطرق أحد للدين أصلًا.

حتى قُبيل نهاية البرنامج.. كان الحوار من النوع الرفيع واللبق، عقول مثقفة تحظى بالرقي والعلم والأسلوب المهذب في الاتفاق والاختلاف، قلت (عقول) ولم أقل (عقلان) لأن المذيع شاركهما برقيهما.

حان وقت ختام البرنامج، فختم المذيع الحوار بالأسلوب المعتاد في البرامج الحوارية: شكر للضيفين، وتذكير سريع بأهم النقاط التي تم التطرق لها.. ثم حصلت السقطة..!!

قال المذيع: "سمعنا النقاش بين المرشح (فلان) والمرشح (فلنتان)، وقد أثبت كل منهما حبه للكويت وحرصه على الخير فيها، دون التطرق للأمور الطائفية"..!!

بعيدًا عن تلك الخاتمة الغبية.. سأطلب منكم أمرًا:
(في هذه اللحظة.. لا تفكر في حصان أبيض)

فكرت.. صحيح؟ لم يكن هناك داعٍ لذكره في الأساس.. لكني عندما طلبت منك عدم التفكير فيه، أجبرتك أن تفكر فيه.. أليس كذلك؟

قس على هذا الأمر ما فعله المذيع، إذ لم يكن هناك أي داعٍ لتخبرنا عن عدم تطرق الضيفين للطائفية البغيضة، وإنك بمجرد ذكرك لعدم تطرقهما لهذا الأمر فأنت تعززه وتذكرنا به.

الطائفية فتنة، والفتنة نائمة.. لعن الله من أيقظها، وإيقاظها لا يشترك أن يكون في إثارتها، بل يكفي أن تذكرها للتحذير منها في غير موضع تحذير، هكذا الأمر ببساطة.

بما أننا استقبلنا قبل أيام قليلة شهر (محرم)، فقد حدث ما توقعته تمامًا، إذ ظهر لنا بعض مثيري الفتن الحمقى قائلين كلمتهم المشهورة، الكلمة التي يبتغون مواراة خبثهم فيها:

"الشيعة.. عظم الله أجركم، السنة: تقبل الله صيامكم"

تجنب الفتن لا يكون بهذه الطريقة الحمقاء، بل تكون بأن نجعل شهر (محرم) يمر كسائر الشهور، وكل شخص يمارس عبادته وفق معتقد مذهبته، دون الدعوة لنبذ الفتنة التي هي لا وجود حقيقي لها.

نحن في الكويت (سنة وشيعة) لا نقاتل بعضنا، ولا نقطع على بعضنا شعائر دينية، وكلنا نعلم هذا الأمر الذي لا يخفى على أحد، وهو من البديهيات التي كبرنا وفقها، فما الداعي لأن تذكرنا بها خلال الأيام التي قد يستغلها المرضى للتشفّي..!!

أقول: دعوا هذا الشهر المبارك يمضي ككل الشهور السالفة، ولا تذكّروا المرضى بأن هذه أيام خلاف وفتنة بين المذهبين، لتظهروا لنا بمظهر النسّاك والمصلحين الذين لا يحقّرون مذهبًا أو يحاربون جماعة لمجرد خلاف، فإن أساليبكم باتت مكشوفة، ووالله الذي لا إله غيره إنكم لأهل الفتنة ومنبع الطائفية.

هل تعرفون حيلة الإسقاط؟

هي حيلة دفاعية لا شعورية، يقوم بها الفرد ليبرئ ساحته من عيوبه التي يعلم وجودها عنده، فيقوم بإسقاطها على غيره لينشغل الناس عن ملاحظتها فيه.

مثال: شخص كثير الكذب، حين يجلس مع أناس يعلمون بعادته السيئة تلك، فإننا نجده دائم الذم للكذب والكذابين، حتى لو لم يكن محور الحديث عن الأمر الذي يحاول نفيه من نفسه، كل هذا هو محاولة منه للبرهنة على عدم وجود هذه العادة عنده.

سعد المحطب
28-6-2014
Twitter: Saad_ALMohteb