بسم الله الرحمن الرحيم
أحب الخروج عن
النمطية أحيانا، لذا فإنني في يوم عطلة اتصلت بصديق، وأخبرته عن قبولي لدعوته لي
على إفطار فاخر في أي مطعم يختاره، قبلت الدعوة قبل أن يفكر بتوجيهها، فقط كي لا
أكون السائق بهذه الرحلة، ولا يُستنفد وقود سيارتي على مشوار سيستفد محفظة أحدنا.
بهذا الصديق خبث،
إذ باغتني بطلبه للذهاب بسيارتي، وافقت على مضض، وجهزت نفسي لتلك الوليمة التي
تنتظرني، وخلال خمس دقائق بعد خروجي من المنزل، اتصلت به لأخبره أنني في الخارج،
فأتاني مختالا بنفسه ولا أعلم لماذا، سألته ليتأكد من وجود محفظته معه لأنه سيدفع
الحساب، شاء ذلك أم أبى.
أمسك صاحبي
بهاتفه، مرة يكتب رسالة، وأخرى يرد على اتصال، وأخيرا يبعث بريدا إلكترونيا، وأنا
لا أملك إلا أن أحادث نفسي، وأعد أسناني بلساني، وأستمع لجكجكة هاتفه.
طلبت منه الكف عن
الكتابة أكثر من عشر مرات، أما عذره فهو أنه يدير مشروعه الصغير عن طريق الهاتف،
ولا يستطيع التأجيل، وكلما بدت علي علامات الضيق، قال: أمهلني دقيقتين فقط.
طوال ذلك المشوار
الذي امتد لساعتين تقريبا، كان هو يكتب وأنا أنبّه، هو يتعذر وأنا أتضايق، هو يطلب
تمهلي لدقائق وأنا أعد وأغضب، هكذا حتى أوصلته لبيته ويحمل كل منا في صدره ضيقا من
صاحبه.
بُلينا في هذا
الزمن بالهواتف الذكية، وهذي الهواتف نتباين في كيفية استخدامها، إما بسوء أم
بخير، أو ربما بما بين هذا وذاك، إذ نستخدمه أحيانا لتمضية وقت فراغ يمر بنا،
ونعجز عن استغلاله بما يفيدنا.
في الآونة الأخيرة
صرت أحب الخروج لوحدي، أجلس في مقهى وأقرأ أحد الكتب المكدسة بسيارتي، ذلك خير لي
من صديق أشغل يديه وعينيه وثلاثة أرباع ذهنه بالهاتف، وأعطاني سمعه وربع ذهنه فقط،
وعُشر لسانه ليقول لي في حال غضبي: أنا معك، أسمعك، أكمل.
كل من يعرفني،
يعلم أني أحب اللقاءات الثنائية، أنا وصديق، أنا وأخ، أنا وزوجة، أنا وشريك واحد فقط
في المشوار، ولا أحد غيرنا، مع وجود بعض الاستثناءات طبعا.
حاليا، أعاني من
انعدام هذه الثنائيات، إذ دائما ما يكون لنا شريك ثالث يُدعى: (آيفون أو جالاكسي)،
إذ ينشغل به شريكي ولا يعطيني انتباها أستحقه، وإن عاتبته فإنه يحاول أن يعدل
بيننا، ويسوّغ فعله بأن يكلمني قليلا، ثم يعيد الانشغال بشريكنا الثالث قليلا.
أما أكثر ما
يغيظني، فهو حين يترك هاتفه ويقول: "هيا تكلم، أسمعك"، ثم الويل والثبور
لك إن صمت لنصف دقيقة، لأنه سيعيد الانشغال بالشريك، وكأنه يقول: "إما أن
تتكلم، أو تدعني ألهو بهاتفي"، لست أعلم سبب هذه العقوبة، ولا أعلم ذنبي
لتلقيها سوى أنني سكت قليلا.
وما أعظم حجة الصديق
حين يخبرك بأنك تمسك هاتفك أيضا، ولا يحق لك أن تحلل لنفسك ما تحرمه على غيرك،
تماما كالذي ذهبت معه للإفطار، إذ وصلتني رسالة أثناء عتابي له، فقال مداعبا:
"إياك أن تلمس هاتفك الآن، عد للبيت وافعل ما تريد"، هناك فرق يا صاحبي
بين قراءة رسالة والرد عليها، وبين الحديث المطول مع أحدهم عبر الرسائل، هناك فرق
بين كتابة رسالة قصيرة، وبين قراءة تغريدات كل ما تتابعهم في (تويتر)، فرق شاسع
بين كتابة فكرة طرأت ببالك في هاتفك، وبين مشاهدة مقاطع فيديو في (يوتيوب) أو
(أنستقرام)، لا مجال للمقارنة يا صديقي.
لي صديق واحد فقط
يحترم وجودي معه احتراما كاملا، ويهمل كل منا هاتفه طوال مدة بقائنا برفقة بعضنا،
إلا للضرورة طبعا، وما عداها فإن الشريك الثالث مهمش ولا يُؤبه له، لهذا فهو من
المفضلين عندي.
إنك حين تتلقى
اتصالا من صديق للخروج معك، فإنه يريد مرافقتك، لا مرافقة هاتفك، إذ ما هو مهم في
وسائل التواصل الاجتماعي يمكن تأجيله، كل ذلك ممكن ما دمت لست وزيرا.
لا أقول حاربوا
الهواتف، بل أدعو لتقليل هيمنة هذا الشريك على مجريات لقاءاتنا، وإن استطعنا
إلغاءها فبها ونعمت، فهواتفنا تنتظر، والصديق إن رحل متكدّرا فرجوعه يعسر، وإن
الضيق فوق الضيق سيُبدل ما في قلوبنا من مودة إلى تنافر شيئا فشيئا، حتى لا يبقى
من الصداقة شيء غير الذكريات.
هذه نصيحتي لنفسي
أولا، ولأهلي وصحبي ثانيا، ولكل قارئ ثالثا، والنصيحة –كما يُقال- بجمل.
سعد المحطب
27-2-2014
27-2-2014
TWITTER: @Saad_ALMohteb
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق