السبت، 29 مارس 2014

عجبت للنطفة

بسم الله الرحمن الرحيم

قبل عام تقريبا، كنت مشوّش التفكير، نويت إتمام كتابي لأشارك فيه بمعرض الكتاب 2013، إلا أن التشويش كاد يلغي الفكرة، فاتصلت بصديقي بعد تمرّني في النادي، وقلت له: "أستحم وآتيك لنحجز تذكرتين للعمرة"، وافق دون تردد، وبعد العودة من العمرة مباشرة بدأت الكتابة من جديد، حتى وفقني الله وقرأ أغلبكم الكتاب.

في هذا العام، وفي طريقي لإتمام كتابي الثاني، لا أزال أواجه بعض التشويش الذي يكاد يؤجل الفكرة لمعرض 2015، وهذا ما لا آمله، بل وأخشى منه، لذا فقد قررت أن أجعلها عادة، عمرة قبل أي كتابة جدية للكتاب، فاتفقت مع نفس الصديق، واتجهنا للمطار لحجز تذكرتينا، وقد كان موظف مكتب السفريات من الجنسية المصرية، هذه الجنسية التي أحمل لها كل احترام، وما زاد احترامي لهذا الشخص هو مظهره الذي يوحي بتأييده للرئيس الشرعي المغدور به: محمد مرسي، فقلت في نفسي: "Morsi yes, Seesi no".

بعد الدفع واستلام التذاكر، ودعنا مؤيد الشرعية قائلا: "هذه الوجوه التي تدعو للتفاؤل، وتجعلنا نعمل بنفس طيبة"، طبعا كان يقصد وجهي وليس وجه صاحبي، شكرناه ومضيناه في سبيلنا، وحين عدت للبيت بقيت أنظر لنفسي في المرآة بإعجاب، مؤيدا كلام ذلك المصري الذي تغزل بسماحة وجهي، وحقيقة لا ألومه، فكلامه هو أقل ما يُقال في حقي، شاء صاحبي ذلك أم أبى.

حادثت صديقي عن هذا الموقف، فلم يذكر أيّ منا أنه كان كثير الابتسام في وجه الموظف، ولم نكرمه بمال، بل أننا لم ندعه لشرب (الوايت موكا) أو حتى (التيرتل موكا)، غريب فعلا، ثم حللنا الموقف معا، ووجدنا أننا اختلفنا عن الرجل الذي كان يحجز تذكرته قبلنا بأمر واحد، هو أننا تكلمنا باحترام فقط.
ذاك كان يتكلم بنبرة شديدة، توحي لمن يرى ويسمع أن الموظف خادم عنده، أما نحن رضي الله عنا وأرضانا، فقد تكلمنا هكذا:

"السلام عليكم، نريد تذكرتين للعمرة، على الطيران الفلاني، واحجز لنا غرفة في الفندق الفلاني، وتفضل المبلغ"، لا شيء آخر، تعاملنا معه كموظف يؤدي عمله، وليس كغلام مملوك يعمل في قصر أحدنا، اعتذرنا بدورنا له نيابة عن عديمي الأدب الذين يتعاملون معه، وانتهى الموقف.

بعض الناس من أبناء وطني -غفر الله لي ولكم- يتعاملون مع الوافدين من الجنسيات العربية أو الآسيوية كما يتعاملون مع الحيوانات -أجلّني وأجلّكم الله- عن هؤلاء الناس، فتجد أحدهم يصرخ في وجه الهندي، ويدفع البنغالي، ويشتم المصري، ويحتقر كل وافد أتانا للعمل بعد أن ابتلى الله وطنه بنقص في الأموال، ولا يعلم أن أحد الذين احتقرهم قد يصيبه بدعوة صادقة فتُرديه صريعا، فلا أحد يعلم بمكانة هؤلاء الفقراء عند الله.

أحيانا أسأل نفسي: "هل الكويتي نزل من الجنة للتسلية، ثم سيعود إليها متى شاء، لهذا فإنه يؤذي الخلق ولا يبالي، إذ مكانه مضمون في الجنة؟"، لو كان الأمر كذلك، فلماذا لا أكون مثلهم؟ فأنا كويتي -وحسب نظريتهم- نزلت من الجنة، سأحتقر الناس ثم أعود لبيتي هناك..!!

لو قُدّر لي أن أكون مثلهم، لدعوت الله مخلصا أن يأخذني قبل أن يُلبسني رداء الكبر العفن ذاك، فما أقبحه من رداء، وما أخزاه من فعل، وما أحقره من صنيع، لا أزال أحفظ مقولة الإمام أحمد -رحمه الله- إذ يقول: "عجبت لابن آدم، يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين"، هل علمت يا من تظن نفسك فوق الخلائق من أين خرجت؟ ما أقبح فعلك وأذلّ أصلك.

ولمن لم يعتبر برقّة وصف ابن حنبل، فليسمع وصف مالك بن دينار: "أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة"، يا الله، ألا يزال في قلب أحد كبر..!! أوَما في تحريم الله الجنة على المتكبر عبرة لأولى الألباب؟

أقول، إن أنعم الله عليك بنعمة فاشكر لها، وأدّ حق الله فيها، ولا يكن في صدرك كبر على خلق من رزقك، فإنك مهما قويت فهناك الأقوى، ومهما اغتنيت فهناك الأغنى، ومهما علوت فهناك الأعلى، وتذكر أن الله بيده أن يذلك بطرفة عين، أنسيت حال الكويتيين في فترة الاحتلال؟ كنا أهون الناس وأذلهم، كانت كرامة الكويتي تُسحق على الأرصفة وفي الشوارع..!! ولولا فضل الله ثم عون عباده لكان وحده يعلم بحالنا.

إنك ستزداد رفعة ما تواضعت، واعلم أن الناس إن رأوا منك غرورا فإنهم قد يلبون طلباتك تجنبا لشرك، فاجعلهم يلبونها احتراما لك وحبا بك، وليس ذلك إلا بتواضعك لهم، واحترامك لكونهم بشرا على الأقل، وإنك بأدبك ورفقك في الطلب والعطاء، فإنك تعكس تربية بيتك، وتظهر سماحة دينك، وتوجب حب الخلق لك، وربما نلت دعوة محب ليس بينها وبين الله حجاب، فتدخل الجنة بسببها دون حساب أو سابق عذاب.


سعد المحطب29-3-2014
Twitter: @Saad_ALMohteb

الجمعة، 21 مارس 2014

الساخطون في الأرض

بسم الله الرحمن الرحيم

في مقر عملي، جلست في مكتب زميلين لي، حيث الخدمة الذاتية تطغى على رتابة الرسميات، اصنع قهوتك بنفسك، واجلب كرسيا لنفسك، وأحيانا يذهب انتباه كل منهما لشيء بعيد عنك، فتحادث نفسك.

تطرقنا لموضوع لا ينفك كل كويتي عن الحديث عنه، وقد تحدثنا عنه بإسهاب، استنادا للوثيقة سوداء اللون التي يمتلكها كل منّا (الجنسية)، طال الحديث لأكثر من ساعة، وقد خرجنا بلا حل، جُلّ ما حدث هو أن الزميلين قد أفرغا ما بجعبتيهما، وامتلأت أذني بما لا يفيد، وذهبت لإلقاء درسي في حصتي الدراسية.

كان حديثنا يتمحور حول الفساد، فساد إداري، فساد طبي، فساد سياسي، فساد عسكري، وأخيرا وصلنا للفساد التربوي، حقل عملنا، فنّدنا كل قرارات الوزراء عبر التاريخ الكويتي، وأثبتنا فشلها، ولم نقدم بدائل أو حلولا، انتقاد وتذمر وشتم للواقع، ثم صمت مطبق، ثم تعايش مع الفساد.

أحد الزميلين كان متفوقا دراسيا، وبعد تخرجه حُرم الابتعاث لدراسة الماجستير لعدم توفر الواسطة، والآخر أخبرنا عن سعيه الحثيث للعمل في إحدى شركات النفط، لكنه حُرم لنفس سبب حرمان الأول، شعرت بالأسى قليلا، ثم قلت للأول: "كم درجة نلت في اختبار التوفل؟"، فقال: "لم أسجل للاختبار، فأنا أعلم أني مهما نلت من درجات، فواسطة غيري أقوى"، وسألت الآخر عن عدد مرات تقديمه للوظيفة في النفط، فأخبرني أنه لن يُتعب نفسه في التقدم لوظيفة يعلم أنه لن ينالها دون واسطة..!!

حقيقة، أقولها من دونما تردد: "تعجز لساني*"، لم أعلم كيف أرد على الصديقين، لكن ما أعرفه أنني نادم على وقت أضعته في الاستماع لتذمر لا يجدي، شُحنت سلبًا بكلام الصديقين، ومُلئت بالسلبية والإحباط لأكثر من ساعة، ولم أخرج بنتيجة، بل إنني سمعت مشاكل لم أكن أعرف أغلبها، وقد كنت في غنى عن سماعها، إذ أن معرفتها لا تنفع، وجهلها لا يضر.

بُلينا بأناس لا يعرفون إلا التذمر، ويجعلون الفساد من حولهم شماعة يعلقون عليها فشلهم وتأخرهم، فنجد أحدهم لم يكمل دراسته بحجة الفساد، ولا يؤدي عمله بإخلاص، لأن الفساد منتشر، ولا يحاول إصلاح نفسه أو غيره، إذ لا يصلح العطار ما أفسده الدهر، فيتعايش مع الفساد بأريحية، ويكون سببا رئيسيا في زيادته، سواء بعلمه أو دون علمه، وبعد أن يتضرر منه، يتذمر ويشتم، ويتكلم عن مواطن السوء دون تقديم حلول.

أجمع عقلاء مجرة درب التبانة، أن أول خطوات التغيير تبدأ من داخل الفرد، قال الله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فمن يضع يده على أحد خديه ويدعو ربه أن يغير حاله للأفضل، هو شخص أقرب للحماقة منه إلى الرجاحة، وأقول موقنا، العمل باجتهاد دون دعاء، أفضل من الدعاء دون عمل، ألا ترون الكفار وما وصلوا إليه من تطور..!! لا أعتقد بأن أحدهم قد قام الليل وصام النهار ودعا الله أن يصل لما وصل إليه، بل إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وإن كان كافرا فأجره هو التوفيق في الدنيا، لأنه اجتهد وأحسن، وما جزاء الإحسان عند ربي إلا الإحسان.

هلّا قرأتم قصص الناجحين..!! إن وجد أحدكم ناجحًا عصاميًا مارس التذمر دون عمل، فله مني نصف راتبي لخمس سنوات قادمة، وإنني لأدعو الله مخلصًا بألا تجدوا.

أقول، نحتاج أحيانا للتنفيس عما في أنفسنا، فنتكلم وننتقد واقعنا كي نزيح عن صدورنا هموما خالجتنا، وهذا لا أراه مما يعيب، إلا لو كان ملازما لنا، ولم تصاحبه حلول عملية نمارسها بأنفسنا، دون أن ننتظر المعجزات لتحقيقها، فمن أراد التغيير فليبدأ بنفسه، ومن ابتغى صلاح مجتمعه فليصلح نفسه وبيته، وليكن بذل الأسباب هو أول ما نقوم به لتحقيق المراد، كي لا نكون كزميليّ اللذين امتنعا عن البذل ليقينهما بالفساد الذي لا أعلم له مصدرا.

ولنعلم أن كثرة إظهار السخط لا تدل على نجاح أو نية له، بل على نظرة سوداوية تبشر بكل شر لصاحبها، وأحسن الله عزاء أهل الساخطين، فإن أبناءهم سيموتون كمدا دون أن يروا شيئا جميلا، ولن يروا صلاحا ولو كان أمامهم، وسيكتفون بالتذمر ونقد الحياة دون تقديم الحلول، ودون إظهار الاستعداد للتغيير، فقط تذمر وسخط وسخرية وشتم وغضب، ثم موت بعمر ناقص من الفرح والسعادة.

*تعجز لساني: هي كلمة خاطئة لغويا، أصبحت متداولة (رغم خطئها) بسبب انتشار مقطع فيديو مضحك لامرأة قالتها بهذا اللفظ.


سعد المحطب
21
-3-2014
Twitter: @Saad_ALMohteb

السبت، 15 مارس 2014

النمطيون الجدد

بسم الله الرحمن الرحيم

من عاداتي التسوقية أنني لا أدخل مكتبة دون شراء كتابين على الأقل، وفي أحد المرات كان مما اشتريت، كتاب سُمّي باسم جمع رساما أسبانيا هو الأفضل في القرن العشرين، بأشهر المقاهي الأمريكية، لكاتب إماراتي، لفت انتباهي فيه أمران، أولهما أنني رأيت العولمة فيه، وثانيها أنه وصل للطبعة رقم 50.

قرأت المقالة الأولى فيه، ووفق ما أذكر فإنه كان يتكلم أن لا نجاح دون ألم، قبّلت الكتاب من إبداعه الذي رأيته، وتمنيت لحظتها أن أقابل الكاتب لأشكره على إمتاعي بما قرأت، بدأت بالمقالة الثانية فالثالثة فالرابعة، ندمت على أمرين، أولهما المال الذي دفعته ثمنا للكتاب، وثانيهما أنني قرأت مقالة غير الأولى، إذ من الجلي للعيان أنه وضع جهده فيها وأهمل ما دونها، فأهديته لصديقي بدل رميه، طبعا رمي الكتاب وليس الصديق.

ثم دارت الأيام، فمشيت في دروب الشك من أن أتم كتابي، فاتخذت القرار الأخير بأن أمضي حُقبا في طموحي، وكان من أفضل ما استفدته من بيع الكتاب هو أنني رأيت شبابا مبدعين من وطني، وضعوا القراءة على رؤوس أولوياتهم، وكان بيننا تواصل في مواقع التواصل الاجتماعي.

رأيت ما كدّرني ممن أحسبها قارئة نهمة وعلى قدر من الثقافة، إذ اقتبست كلاما من نفس الكتاب سالف الذكر، سيء الصيت بنظري، لأنه بكلامه الذي اقتبسته الأخت كان يهاجمني شخصيا، إذ ذكرت في كتابي (قهوة الثلاثاء) في المقالة التي تحمل نفس الاسم، أنني من الأشخاص النمطيين، وهذا شيء أفخر به ولا أخجل منه، وهو بكلامه أظهرني وأظهر أقراني بمنظر مخز بائس، إذ كان مفاد هذيانه أن النمطي يسأل الله حسن الخاتمة، ولا يسأله عن حسن الحياة، ولا يحرص على التعلم لأن كل العلوم المجهولة له يعتبرها (علما لا ينفع)، ووصف سيادته النمطية بالداء الحضاري.

أقول، النمطية -حسب فهمي- هي اتباع أسلوب واحد في إنجاز الأمور، وهي لا تُعاب على أحد، ولا يسخر منها إلا من كان في نفسه كبر لكونه غير نمطي، معتقدا أن النمطي رجل من الجحيم، وهو وحده من الجنة، لست ممن يرى العيب في أي جزء من أي شخصية، وإن لم تناسبني، فلكل رجل شخصيته التي يتعامل بها ويتعايش معها، وإنك -أيها الكاتب الذي أنتقده- تحمل من سوء الصفات ما الله به عليم، وكلنا كذلك، ورغم هذا فإنك تملك قراء يقبلون ما تكتب لقبولهم لك، وأيضا كلنا كذلك.

أحد تعريفات الإبداع -من كتاب مبادئ الإبداع للدكتور طارق السويدان- أن تفعل الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة، أما أبسط تعريف له: هو عملية الإتيان بجديد، وذلك هو تعريف الدكتور.

أعلم أن التعريف يتناقض مع النمطية، لكن هذا لا يعني بأي شكل أن الإبداع دائما خير من سواه، ففي أداء الفروض الدينية -مثلا- لا تصح إلا النمطية، وإلا لوجدنا فهيما يصوم ليوم كامل ليجوع أكثر، فيُحس بالفقراء أكثر، فيتعاطف معهم أكثر، فيضل معه خلق أكثر، أما الإبداع فيها فيسمى (بدعة)، ومعلوم أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فماذا سيجني أحدنا من تركه للنمطية إن كان مصيره للنار..!!

وأيضا فإن النمطية في التصنيع هي المطلوبة فقط، والإبداع في التصميم، فمتى اتحدا كانت أمامنا آية من آيات الله في الإبداع البشري الحقيقي.

درست لأربع سنوات في تخصص علم النفس، وكنت طالبا عند أحد رواد هذا العلم في العالم، الدكتور أحمد عبدالخالق، وقد سألته مرة عن صفات الشخصية إن كان بعضها عيبا أو مفخرة، فقال كلاما مفاده أن الصفات لا يوجد بها (جيد وسيء)، ما عدا في الفضائل والرذائل، وما سواهما فحسن أو أحسن أو أقل حُسنا.

فيا من تقول أن النمطية داء الحضارة، أحط علما بما ستكتب ثم اكتب، ولا تهاجم أصحاب الصفات النقيضة لك ما لم تكن صفاتا معيبة أو حراما، واعلم أن النمطي والخارج عن النمطية مكملان لبعضهما، لا تستقيم حياة أحدهما دون الآخر، ولا يصح لأحد منهما أن يتفرد بصفات دون أن تختلط بغيرها، ومن اعتقد أن المبدع لا يمارس النمطية أو العكس، فهو ممن لا يجوز تضييع الوقت الثمين في حوار معه.


سعد المحطب
15-3-2014 
TWITTER: @Saad_ALMoheb

السبت، 8 مارس 2014

غضب المحتسب

بسم الله الرحمن الرحيم

جلست في مقهى مع صديق لاحتساء القهوة من حسابه، وتحادثنا قليلا أحاديث غير مهمة لأنه كان هو من يبدأ بالنقاش، قطعت حديثه غير المهم بكلمة: "اسكت، دعني أقرأ ريثما يحين وقت مباراتنا"، طبعا نهرته هكذا بعد أن أصبحت قهوتي التي دفع حسابها بيدي، فلا يوجد لدي ما أخشى عليه منه.

كانت تجلس أمامنا –تقريبا- فتاة تدّعي الدراسة، لكنني شككت بأمرها منذ أول لحظة، لأنه بمعدل كل نصف دقيقة فإننا نسمع رنين هاتفها، كانت تمسك بهاتفها أكثر من كتابها، وهذا أمر لا يهمني ولا يهم صديقي صاحب المواضيع غير المهمة، حتى جاء ذلك الأحمق الفاضح لنفسه ولصاحبته وجلس أمامها، وأخذ يوزع ابتساماته عليها، ويحادثها عن طريق الرسائل الهاتفية، وهي ضائعة ما بين ابتسامته ورسائله.

لاحظ صديقي أن بصري زاغ إليهما وسألني عن السبب، فقلت له: "نشهد أمامنا موعدا غراميا لمراهقين كبيرين"، قال: "لا عليك منهما، وما دخلنا نحن..!!"، سكتنا لحظات قليلة، ثم قام صاحبي قائلا: "نسيت أني أمير المؤمنين، سأتدخل لإنهاء هذا الموعد"، منعته حفاظا على هيبة الإمارة أولا، وكوني المحتسب وقائد الشرطة ثانيا، وأظهرت غضبي الذي كان لنفس السبب الذي يغضب منه رسول الله، إذ انتهك المراهقان حرمات الله جهرة، ولا رادع لهما، ثم احتفظت بإنكاري لفعلهما لنفسي، لأن القانون في دولة المؤسسات التي نحمل جنسيتها تبيح مثل تلك المواعيد، وإن تدخل أحد فالحق يقع عليه، إذن فالصمت أجدى.

حين عدت للبيت بعد خسارة المباراة بسببي، وللعلم فإنني نسيت أن أدفع (القطية) لانشغالي بعد اللعب بحديث مع (جعفر أبو جعيفر)، وسأوافيكم قريبا بتفاصيل ذلك الحديث، فتحت نقاشا مطولا مع نفسي حول موضوع الغضب، ماهية الغضب وجدواه، وسألت نفسي عن كونه محمودا أو مذموما.

أرى الغضب شيئا جيدا إن نظرنا له من منظور واسع، وإن تعمقنا في تفاصيله فسنتشعب كثيرا، ولا بأس من التشعب الآن، فهاكم ما أراه.

لو رآى أحدنا حرمات الله تُنتهك أمامه، فأضعف الإيمان أن ينكر ذلك بقلبه، ومن يقول أن الغضب سلبي دائما، فأقول له: "تذكر رد فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه حِبّه ابن حِبّه أسامة بن زيد شفيعا للمرأة المخزومية التي سرقت كي لا يقطع يدها، فاحمر وجهه صلى الله عليه وسلم غضبا، وقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

أتحسب نفسك أعقل من رسول الله؟ إن من تكفل الله بتهذيبه وتحسين خلقه كان يغضب، لكن الغضب لم يكن ملازما له، بل في حدود الشرع فقط، وأيضا لا نغفل عن كونه أوصى صحابيا: "لا تغضب".

أحد الذين سُئلوا عني قبل زواجي أخبرني أن مما سُئل به: "هل سعد سريع الغضب؟"، ولا أحسب السائل إلا فطنا صاحب نظرة ثاقبة، لأن كل خُلق من الرجل يمكن تحمله والتعايش معه وتقويمه، إلا البخل وسرعة الغضب، فإنهما داءان يأبيان الشفاء، ولا يبرآن إلا بمعجزة من الله.

أرى الغضب محمودا في مواضع، أهمها حين تُنتهك حدود الله، وأيضا حين يتعدى أحدهم حده المسموح له به معنا، وإلا فما حال شخص يُشتم ويُسخر منه، ونقول له: "لا تغضب"..!!

أما الغضب المذموم فهو ما يكون في أي موضع ما عدا ما سبق، خصوصا إن صاحبته سرعة في الاشتعال وتأخر في الانطفاء، لأن ذلك سبب رئيسي لتشتت الأفكار، وارتفاع ضغط الدم، وتساقط الشعر (الذي أعاني منه لأسباب غير الغضب)، وربما يصل به الحال بأن يُفقدنا كثيرا من الأشخاص حولنا، فمن هذا الذي يحتمل رفيقا دائم الغضب..!!

عندي طريقة تفيدني، وربما يستفيد منها غيري، أستخدمها مع طلبتي في المدرسة كوني مشرفا على جناح فيها، وهي أني أصرخ بوجه الطالب المزعج لكن دون غضب، فهو غالبا يتعمد استفزاز المعلمين ليراهم بأسوء أحوالهم ليضحك عليهم، أما أنا فإني أصرخ وفي داخلي ضحكة لخوفه من غضبي المصطنع، الضرر الوحيد لفعلي أنني أبقى لمدة بصوت مبحوح، وما سوى ذلك فأمره هيّن.

أقول، اغضب لله، ولا تسمح لغيرك بأن يستفزك ليُخرج أسوء ما فيك، واعلم أنك بغضبك غير المبرر تضر نفسك، وتُنقص أياما من عمرك، وتكتب على نفسك شيخوخة مبكرة، وتمنع نفسك من التنعم بشعر منساب كالحرير، إذ أنه سيسقط لا محالة، وستضطر للعيش أصلعا، أو السفر لإيران لزراعة بضع شعرات ستسقط قريبا، لأنك لا تزال سريع الغضب، وبالتالي تخسر أموالا لمنفعة قصيرة المدى.


سعد المحطب
8-3-2014
Twitter: @Saad_ALMohteb