بسم الله الرحمن الرحيم
قبل عام تقريبا،
كنت مشوّش التفكير، نويت إتمام كتابي لأشارك فيه بمعرض الكتاب 2013، إلا أن
التشويش كاد يلغي الفكرة، فاتصلت بصديقي بعد تمرّني في النادي، وقلت له:
"أستحم وآتيك لنحجز تذكرتين للعمرة"، وافق دون تردد، وبعد العودة من
العمرة مباشرة بدأت الكتابة من جديد، حتى وفقني الله وقرأ أغلبكم الكتاب.
في هذا العام، وفي
طريقي لإتمام كتابي الثاني، لا أزال أواجه بعض التشويش الذي يكاد يؤجل الفكرة
لمعرض 2015، وهذا ما لا آمله، بل وأخشى منه، لذا فقد قررت أن أجعلها عادة، عمرة
قبل أي كتابة جدية للكتاب، فاتفقت مع نفس الصديق، واتجهنا للمطار لحجز تذكرتينا، وقد
كان موظف مكتب السفريات من الجنسية المصرية، هذه الجنسية التي أحمل لها كل احترام،
وما زاد احترامي لهذا الشخص هو مظهره الذي يوحي بتأييده للرئيس الشرعي المغدور به:
محمد مرسي، فقلت في نفسي: "Morsi yes, Seesi no".
بعد الدفع واستلام
التذاكر، ودعنا مؤيد الشرعية قائلا: "هذه الوجوه التي تدعو للتفاؤل، وتجعلنا
نعمل بنفس طيبة"، طبعا كان يقصد وجهي وليس وجه صاحبي، شكرناه ومضيناه في
سبيلنا، وحين عدت للبيت بقيت أنظر لنفسي في المرآة بإعجاب، مؤيدا كلام ذلك المصري
الذي تغزل بسماحة وجهي، وحقيقة لا ألومه، فكلامه هو أقل ما يُقال في حقي، شاء
صاحبي ذلك أم أبى.
حادثت صديقي عن
هذا الموقف، فلم يذكر أيّ منا أنه كان كثير الابتسام في وجه الموظف، ولم نكرمه
بمال، بل أننا لم ندعه لشرب (الوايت موكا) أو حتى (التيرتل موكا)، غريب فعلا، ثم
حللنا الموقف معا، ووجدنا أننا اختلفنا عن الرجل الذي كان يحجز تذكرته قبلنا بأمر
واحد، هو أننا تكلمنا باحترام فقط.
ذاك كان يتكلم
بنبرة شديدة، توحي لمن يرى ويسمع أن الموظف خادم عنده، أما نحن رضي الله عنا
وأرضانا، فقد تكلمنا هكذا:
"السلام
عليكم، نريد تذكرتين للعمرة، على الطيران الفلاني، واحجز لنا غرفة في الفندق
الفلاني، وتفضل المبلغ"، لا شيء آخر، تعاملنا معه كموظف يؤدي عمله، وليس
كغلام مملوك يعمل في قصر أحدنا، اعتذرنا بدورنا له نيابة عن عديمي الأدب الذين
يتعاملون معه، وانتهى الموقف.
بعض الناس من
أبناء وطني -غفر الله لي ولكم- يتعاملون مع الوافدين من الجنسيات العربية أو
الآسيوية كما يتعاملون مع الحيوانات -أجلّني وأجلّكم الله- عن هؤلاء الناس، فتجد
أحدهم يصرخ في وجه الهندي، ويدفع البنغالي، ويشتم المصري، ويحتقر كل وافد أتانا
للعمل بعد أن ابتلى الله وطنه بنقص في الأموال، ولا يعلم أن أحد الذين احتقرهم قد
يصيبه بدعوة صادقة فتُرديه صريعا، فلا أحد يعلم بمكانة هؤلاء الفقراء عند الله.
أحيانا أسأل نفسي:
"هل الكويتي نزل من الجنة للتسلية، ثم سيعود إليها متى شاء، لهذا فإنه يؤذي
الخلق ولا يبالي، إذ مكانه مضمون في الجنة؟"، لو كان الأمر كذلك، فلماذا لا
أكون مثلهم؟ فأنا كويتي -وحسب نظريتهم- نزلت من الجنة، سأحتقر الناس ثم أعود لبيتي
هناك..!!
لو قُدّر لي أن
أكون مثلهم، لدعوت الله مخلصا أن يأخذني قبل أن يُلبسني رداء الكبر العفن ذاك، فما
أقبحه من رداء، وما أخزاه من فعل، وما أحقره من صنيع، لا أزال أحفظ مقولة الإمام
أحمد -رحمه الله- إذ يقول: "عجبت لابن آدم، يتكبر وقد خرج من مجرى البول
مرتين"، هل علمت يا من تظن نفسك فوق الخلائق من أين خرجت؟ ما أقبح فعلك وأذلّ
أصلك.
ولمن لم يعتبر
برقّة وصف ابن حنبل، فليسمع وصف مالك بن دينار: "أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة
قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة"، يا الله، ألا يزال في قلب أحد كبر..!!
أوَما في تحريم الله الجنة على المتكبر عبرة لأولى الألباب؟
أقول، إن أنعم
الله عليك بنعمة فاشكر لها، وأدّ حق الله فيها، ولا يكن في صدرك كبر على خلق من
رزقك، فإنك مهما قويت فهناك الأقوى، ومهما اغتنيت فهناك الأغنى، ومهما علوت فهناك
الأعلى، وتذكر أن الله بيده أن يذلك بطرفة عين، أنسيت حال الكويتيين في فترة
الاحتلال؟ كنا أهون الناس وأذلهم، كانت كرامة الكويتي تُسحق على الأرصفة وفي
الشوارع..!! ولولا فضل الله ثم عون عباده لكان وحده يعلم بحالنا.
إنك ستزداد رفعة
ما تواضعت، واعلم أن الناس إن رأوا منك غرورا فإنهم قد يلبون طلباتك تجنبا لشرك،
فاجعلهم يلبونها احتراما لك وحبا بك، وليس ذلك إلا بتواضعك لهم، واحترامك لكونهم
بشرا على الأقل، وإنك بأدبك ورفقك في الطلب والعطاء، فإنك تعكس تربية بيتك، وتظهر
سماحة دينك، وتوجب حب الخلق لك، وربما نلت دعوة محب ليس بينها وبين الله حجاب،
فتدخل الجنة بسببها دون حساب أو سابق عذاب.
سعد المحطب29-3-2014
Twitter: @Saad_ALMohteb