السبت، 8 مارس 2014

غضب المحتسب

بسم الله الرحمن الرحيم

جلست في مقهى مع صديق لاحتساء القهوة من حسابه، وتحادثنا قليلا أحاديث غير مهمة لأنه كان هو من يبدأ بالنقاش، قطعت حديثه غير المهم بكلمة: "اسكت، دعني أقرأ ريثما يحين وقت مباراتنا"، طبعا نهرته هكذا بعد أن أصبحت قهوتي التي دفع حسابها بيدي، فلا يوجد لدي ما أخشى عليه منه.

كانت تجلس أمامنا –تقريبا- فتاة تدّعي الدراسة، لكنني شككت بأمرها منذ أول لحظة، لأنه بمعدل كل نصف دقيقة فإننا نسمع رنين هاتفها، كانت تمسك بهاتفها أكثر من كتابها، وهذا أمر لا يهمني ولا يهم صديقي صاحب المواضيع غير المهمة، حتى جاء ذلك الأحمق الفاضح لنفسه ولصاحبته وجلس أمامها، وأخذ يوزع ابتساماته عليها، ويحادثها عن طريق الرسائل الهاتفية، وهي ضائعة ما بين ابتسامته ورسائله.

لاحظ صديقي أن بصري زاغ إليهما وسألني عن السبب، فقلت له: "نشهد أمامنا موعدا غراميا لمراهقين كبيرين"، قال: "لا عليك منهما، وما دخلنا نحن..!!"، سكتنا لحظات قليلة، ثم قام صاحبي قائلا: "نسيت أني أمير المؤمنين، سأتدخل لإنهاء هذا الموعد"، منعته حفاظا على هيبة الإمارة أولا، وكوني المحتسب وقائد الشرطة ثانيا، وأظهرت غضبي الذي كان لنفس السبب الذي يغضب منه رسول الله، إذ انتهك المراهقان حرمات الله جهرة، ولا رادع لهما، ثم احتفظت بإنكاري لفعلهما لنفسي، لأن القانون في دولة المؤسسات التي نحمل جنسيتها تبيح مثل تلك المواعيد، وإن تدخل أحد فالحق يقع عليه، إذن فالصمت أجدى.

حين عدت للبيت بعد خسارة المباراة بسببي، وللعلم فإنني نسيت أن أدفع (القطية) لانشغالي بعد اللعب بحديث مع (جعفر أبو جعيفر)، وسأوافيكم قريبا بتفاصيل ذلك الحديث، فتحت نقاشا مطولا مع نفسي حول موضوع الغضب، ماهية الغضب وجدواه، وسألت نفسي عن كونه محمودا أو مذموما.

أرى الغضب شيئا جيدا إن نظرنا له من منظور واسع، وإن تعمقنا في تفاصيله فسنتشعب كثيرا، ولا بأس من التشعب الآن، فهاكم ما أراه.

لو رآى أحدنا حرمات الله تُنتهك أمامه، فأضعف الإيمان أن ينكر ذلك بقلبه، ومن يقول أن الغضب سلبي دائما، فأقول له: "تذكر رد فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه حِبّه ابن حِبّه أسامة بن زيد شفيعا للمرأة المخزومية التي سرقت كي لا يقطع يدها، فاحمر وجهه صلى الله عليه وسلم غضبا، وقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

أتحسب نفسك أعقل من رسول الله؟ إن من تكفل الله بتهذيبه وتحسين خلقه كان يغضب، لكن الغضب لم يكن ملازما له، بل في حدود الشرع فقط، وأيضا لا نغفل عن كونه أوصى صحابيا: "لا تغضب".

أحد الذين سُئلوا عني قبل زواجي أخبرني أن مما سُئل به: "هل سعد سريع الغضب؟"، ولا أحسب السائل إلا فطنا صاحب نظرة ثاقبة، لأن كل خُلق من الرجل يمكن تحمله والتعايش معه وتقويمه، إلا البخل وسرعة الغضب، فإنهما داءان يأبيان الشفاء، ولا يبرآن إلا بمعجزة من الله.

أرى الغضب محمودا في مواضع، أهمها حين تُنتهك حدود الله، وأيضا حين يتعدى أحدهم حده المسموح له به معنا، وإلا فما حال شخص يُشتم ويُسخر منه، ونقول له: "لا تغضب"..!!

أما الغضب المذموم فهو ما يكون في أي موضع ما عدا ما سبق، خصوصا إن صاحبته سرعة في الاشتعال وتأخر في الانطفاء، لأن ذلك سبب رئيسي لتشتت الأفكار، وارتفاع ضغط الدم، وتساقط الشعر (الذي أعاني منه لأسباب غير الغضب)، وربما يصل به الحال بأن يُفقدنا كثيرا من الأشخاص حولنا، فمن هذا الذي يحتمل رفيقا دائم الغضب..!!

عندي طريقة تفيدني، وربما يستفيد منها غيري، أستخدمها مع طلبتي في المدرسة كوني مشرفا على جناح فيها، وهي أني أصرخ بوجه الطالب المزعج لكن دون غضب، فهو غالبا يتعمد استفزاز المعلمين ليراهم بأسوء أحوالهم ليضحك عليهم، أما أنا فإني أصرخ وفي داخلي ضحكة لخوفه من غضبي المصطنع، الضرر الوحيد لفعلي أنني أبقى لمدة بصوت مبحوح، وما سوى ذلك فأمره هيّن.

أقول، اغضب لله، ولا تسمح لغيرك بأن يستفزك ليُخرج أسوء ما فيك، واعلم أنك بغضبك غير المبرر تضر نفسك، وتُنقص أياما من عمرك، وتكتب على نفسك شيخوخة مبكرة، وتمنع نفسك من التنعم بشعر منساب كالحرير، إذ أنه سيسقط لا محالة، وستضطر للعيش أصلعا، أو السفر لإيران لزراعة بضع شعرات ستسقط قريبا، لأنك لا تزال سريع الغضب، وبالتالي تخسر أموالا لمنفعة قصيرة المدى.


سعد المحطب
8-3-2014
Twitter: @Saad_ALMohteb

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق