بسم الله الرحمن الرحيم
من عاداتي
التسوقية أنني لا أدخل مكتبة دون شراء كتابين على الأقل، وفي أحد المرات كان مما
اشتريت، كتاب سُمّي باسم جمع رساما أسبانيا هو الأفضل في القرن العشرين، بأشهر
المقاهي الأمريكية، لكاتب إماراتي، لفت انتباهي فيه أمران، أولهما أنني رأيت
العولمة فيه، وثانيها أنه وصل للطبعة رقم 50.
قرأت المقالة
الأولى فيه، ووفق ما أذكر فإنه كان يتكلم أن لا نجاح دون ألم، قبّلت الكتاب من
إبداعه الذي رأيته، وتمنيت لحظتها أن أقابل الكاتب لأشكره على إمتاعي بما قرأت،
بدأت بالمقالة الثانية فالثالثة فالرابعة، ندمت على أمرين، أولهما المال الذي
دفعته ثمنا للكتاب، وثانيهما أنني قرأت مقالة غير الأولى، إذ من الجلي للعيان أنه
وضع جهده فيها وأهمل ما دونها، فأهديته لصديقي بدل رميه، طبعا رمي الكتاب وليس
الصديق.
ثم دارت الأيام،
فمشيت في دروب الشك من أن أتم كتابي، فاتخذت القرار الأخير بأن أمضي حُقبا في
طموحي، وكان من أفضل ما استفدته من بيع الكتاب هو أنني رأيت شبابا مبدعين من وطني،
وضعوا القراءة على رؤوس أولوياتهم، وكان بيننا تواصل في مواقع التواصل الاجتماعي.
رأيت ما كدّرني
ممن أحسبها قارئة نهمة وعلى قدر من الثقافة، إذ اقتبست كلاما من نفس الكتاب سالف
الذكر، سيء الصيت بنظري، لأنه بكلامه الذي اقتبسته الأخت كان يهاجمني شخصيا، إذ
ذكرت في كتابي (قهوة الثلاثاء) في المقالة التي تحمل نفس الاسم، أنني من الأشخاص
النمطيين، وهذا شيء أفخر به ولا أخجل منه، وهو بكلامه أظهرني وأظهر أقراني بمنظر
مخز بائس، إذ كان مفاد هذيانه أن النمطي يسأل الله حسن الخاتمة، ولا يسأله عن حسن
الحياة، ولا يحرص على التعلم لأن كل العلوم المجهولة له يعتبرها (علما لا ينفع)، ووصف
سيادته النمطية بالداء الحضاري.
أقول، النمطية
-حسب فهمي- هي اتباع أسلوب واحد في إنجاز الأمور، وهي لا تُعاب على أحد، ولا يسخر
منها إلا من كان في نفسه كبر لكونه غير نمطي، معتقدا أن النمطي رجل من الجحيم، وهو
وحده من الجنة، لست ممن يرى العيب في أي جزء من أي شخصية، وإن لم تناسبني، فلكل رجل
شخصيته التي يتعامل بها ويتعايش معها، وإنك -أيها الكاتب الذي أنتقده- تحمل من سوء
الصفات ما الله به عليم، وكلنا كذلك، ورغم هذا فإنك تملك قراء يقبلون ما تكتب
لقبولهم لك، وأيضا كلنا كذلك.
أحد تعريفات
الإبداع -من كتاب مبادئ الإبداع للدكتور طارق السويدان- أن تفعل الأشياء المألوفة
بطريقة غير مألوفة، أما أبسط تعريف له: هو عملية الإتيان بجديد، وذلك هو تعريف
الدكتور.
أعلم أن التعريف
يتناقض مع النمطية، لكن هذا لا يعني بأي شكل أن الإبداع دائما خير من سواه، ففي
أداء الفروض الدينية -مثلا- لا تصح إلا النمطية، وإلا لوجدنا فهيما يصوم ليوم كامل
ليجوع أكثر، فيُحس بالفقراء أكثر، فيتعاطف معهم أكثر، فيضل معه خلق أكثر، أما
الإبداع فيها فيسمى (بدعة)، ومعلوم أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فماذا
سيجني أحدنا من تركه للنمطية إن كان مصيره للنار..!!
وأيضا فإن النمطية
في التصنيع هي المطلوبة فقط، والإبداع في التصميم، فمتى اتحدا كانت أمامنا آية من
آيات الله في الإبداع البشري الحقيقي.
درست لأربع سنوات
في تخصص علم النفس، وكنت طالبا عند أحد رواد هذا العلم في العالم، الدكتور أحمد
عبدالخالق، وقد سألته مرة عن صفات الشخصية إن كان بعضها عيبا أو مفخرة، فقال كلاما
مفاده أن الصفات لا يوجد بها (جيد وسيء)، ما عدا في الفضائل والرذائل، وما سواهما
فحسن أو أحسن أو أقل حُسنا.
فيا من تقول أن
النمطية داء الحضارة، أحط علما بما ستكتب ثم اكتب، ولا تهاجم أصحاب الصفات النقيضة
لك ما لم تكن صفاتا معيبة أو حراما، واعلم أن النمطي والخارج عن النمطية مكملان
لبعضهما، لا تستقيم حياة أحدهما دون الآخر، ولا يصح لأحد منهما أن يتفرد بصفات دون
أن تختلط بغيرها، ومن اعتقد أن المبدع لا يمارس النمطية أو العكس، فهو ممن لا يجوز
تضييع الوقت الثمين في حوار معه.
سعد المحطب
15-3-2014
15-3-2014
TWITTER: @Saad_ALMoheb
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق