بسم الله الرحمن الرحيم
في مقر عملي، جلست
في مكتب زميلين لي، حيث الخدمة الذاتية تطغى على رتابة الرسميات، اصنع قهوتك
بنفسك، واجلب كرسيا لنفسك، وأحيانا يذهب انتباه كل منهما لشيء بعيد عنك، فتحادث
نفسك.
تطرقنا لموضوع لا
ينفك كل كويتي عن الحديث عنه، وقد تحدثنا عنه بإسهاب، استنادا للوثيقة سوداء اللون
التي يمتلكها كل منّا (الجنسية)، طال الحديث لأكثر من ساعة، وقد خرجنا بلا حل،
جُلّ ما حدث هو أن الزميلين قد أفرغا ما بجعبتيهما، وامتلأت أذني بما لا يفيد،
وذهبت لإلقاء درسي في حصتي الدراسية.
كان حديثنا يتمحور
حول الفساد، فساد إداري، فساد طبي، فساد سياسي، فساد عسكري، وأخيرا وصلنا للفساد
التربوي، حقل عملنا، فنّدنا كل قرارات الوزراء عبر التاريخ الكويتي، وأثبتنا
فشلها، ولم نقدم بدائل أو حلولا، انتقاد وتذمر وشتم للواقع، ثم صمت مطبق، ثم تعايش
مع الفساد.
أحد الزميلين كان
متفوقا دراسيا، وبعد تخرجه حُرم الابتعاث لدراسة الماجستير لعدم توفر الواسطة،
والآخر أخبرنا عن سعيه الحثيث للعمل في إحدى شركات النفط، لكنه حُرم لنفس سبب
حرمان الأول، شعرت بالأسى قليلا، ثم قلت للأول: "كم درجة نلت في اختبار
التوفل؟"، فقال: "لم أسجل للاختبار، فأنا أعلم أني مهما نلت من درجات،
فواسطة غيري أقوى"، وسألت الآخر عن عدد مرات تقديمه للوظيفة في النفط،
فأخبرني أنه لن يُتعب نفسه في التقدم لوظيفة يعلم أنه لن ينالها دون واسطة..!!
حقيقة، أقولها من
دونما تردد: "تعجز لساني*"، لم أعلم كيف أرد على الصديقين، لكن ما أعرفه
أنني نادم على وقت أضعته في الاستماع لتذمر لا يجدي، شُحنت سلبًا بكلام الصديقين،
ومُلئت بالسلبية والإحباط لأكثر من ساعة، ولم أخرج بنتيجة، بل إنني سمعت مشاكل لم
أكن أعرف أغلبها، وقد كنت في غنى عن سماعها، إذ أن معرفتها لا تنفع، وجهلها لا
يضر.
بُلينا بأناس لا يعرفون
إلا التذمر، ويجعلون الفساد من حولهم شماعة يعلقون عليها فشلهم وتأخرهم، فنجد
أحدهم لم يكمل دراسته بحجة الفساد، ولا يؤدي عمله بإخلاص، لأن الفساد منتشر، ولا
يحاول إصلاح نفسه أو غيره، إذ لا يصلح العطار ما أفسده الدهر، فيتعايش مع الفساد
بأريحية، ويكون سببا رئيسيا في زيادته، سواء بعلمه أو دون علمه، وبعد أن يتضرر
منه، يتذمر ويشتم، ويتكلم عن مواطن السوء دون تقديم حلول.
أجمع عقلاء مجرة
درب التبانة، أن أول خطوات التغيير تبدأ من داخل الفرد، قال الله تعالى: "إن
الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فمن يضع يده على أحد خديه
ويدعو ربه أن يغير حاله للأفضل، هو شخص أقرب للحماقة منه إلى الرجاحة، وأقول
موقنا، العمل باجتهاد دون دعاء، أفضل من الدعاء دون عمل، ألا ترون الكفار وما
وصلوا إليه من تطور..!! لا أعتقد بأن أحدهم قد قام الليل وصام النهار ودعا الله أن
يصل لما وصل إليه، بل إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وإن كان كافرا فأجره هو
التوفيق في الدنيا، لأنه اجتهد وأحسن، وما جزاء الإحسان عند ربي إلا الإحسان.
هلّا قرأتم قصص
الناجحين..!! إن وجد أحدكم ناجحًا عصاميًا مارس التذمر دون عمل، فله مني نصف راتبي
لخمس سنوات قادمة، وإنني لأدعو الله مخلصًا بألا تجدوا.
أقول، نحتاج
أحيانا للتنفيس عما في أنفسنا، فنتكلم وننتقد واقعنا كي نزيح عن صدورنا هموما
خالجتنا، وهذا لا أراه مما يعيب، إلا لو كان ملازما لنا، ولم تصاحبه حلول عملية
نمارسها بأنفسنا، دون أن ننتظر المعجزات لتحقيقها، فمن أراد التغيير فليبدأ بنفسه،
ومن ابتغى صلاح مجتمعه فليصلح نفسه وبيته، وليكن بذل الأسباب هو أول ما نقوم به لتحقيق
المراد، كي لا نكون كزميليّ اللذين امتنعا عن البذل ليقينهما بالفساد الذي لا أعلم
له مصدرا.
ولنعلم أن كثرة إظهار السخط لا تدل على نجاح أو نية له،
بل على نظرة سوداوية تبشر بكل شر لصاحبها، وأحسن الله عزاء أهل الساخطين، فإن
أبناءهم سيموتون كمدا دون أن يروا شيئا جميلا، ولن يروا صلاحا ولو كان أمامهم،
وسيكتفون بالتذمر ونقد الحياة دون تقديم الحلول، ودون إظهار الاستعداد للتغيير،
فقط تذمر وسخط وسخرية وشتم وغضب، ثم موت بعمر ناقص من الفرح والسعادة.
*تعجز لساني: هي
كلمة خاطئة لغويا، أصبحت متداولة (رغم خطئها) بسبب انتشار مقطع فيديو مضحك لامرأة
قالتها بهذا اللفظ.
سعد المحطب
21-3-2014
Twitter: @Saad_ALMohteb
21-3-2014
Twitter: @Saad_ALMohteb
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق