الجمعة، 4 أبريل 2014

هاجر كريما

بسم الله الرحمن الرحيم

كنت أتجول في (تويتر) بين تغريدات من أتابعهم قبل أيام، وكانت الضجة عارمة فيما يختص بفئة إخواننا (البدون)، أو غير محددي الجنسية، ورأيت صورًا ومقاطع فيديو تم تصويرها في مظاهرات سابقة لنفس الفئة،  وأراها وصمة عار في جبين كل مسؤول كويتي، سواء أرضي أم سكت عن تلك المشاهدات..!!

أفراد القوات الخاصة، ولن أسميهم (رجال القوات الخاصة)، يركضون خلف امرأة بالعصي والدروع، ويسحلون الأطفال والشيوخ، ويضربون الشباب، ومن يقاوم فمصيره أن يُرمى في السيارة، ليُنقل إلى مصيره في السجن، ليواجه تهمًا مضافًا إليها بعض البهارات العسكرية.

كوني مواطنا كويتيا، وقبل ذلك مسلم أخاف الله، فإني أرفض ما يلقاه كل شخص بلا جنسية، ولا أؤيد معاملته كحيوان أو أدنى من ذلك، فإن لبعضهم كرامة قد تفوق كرامة ضاربيهم.

بعد تلك الجولة غير النافعة بيومين، حان موعد عمرتنا السنوية أنا وصاحبي، فسافرنا وأدينا عمرتنا بفضل الله، ورأيت العجب هناك، ورأيت الناس من كل الأعمار، وكل الجنسيات، يعملون بكل الأعمال.

لم يبقَ لي للتحلل من العمرة إلا حلق شعر الرأس، فرأيت غلمانًا يحمل كل منهم مقصًا ويسأل المعتمرين أن يأخذ من شعر رؤوسهم، مقابل خمسة ريالات، ورأيت رجالا يطوفون بكل أرجاء الحرم ليسألوا المعتمرين إن أرادوا حلاقًا، ويذهبون بهم إلى محلات أصحابهم ليحلقوا لهم، مقابل نسبة مما سيدفعه المعتمر، ورأيت من قام بشراء كرسي بعجلات، ويعرض خدماته للمسنين والمعاقين ليسعى بهم بين الصفا والمروة، إضافة لمن يبيع المساويك والتمور والخواتم، وما إلى ذلك.

فكرت في نفسي، ثم تذكرت كلام سائق الأجرة الذي أوصلنا من المطار إلى الحرم، قال: "أنا من الجنوب، لكني أقيم هنا بين مكة وجدة للعمل، فالفرص هنا أوفر، والعمل لا يتوقف"، وأسقطت واقع كلامه على واقع البدون في الكويت.

"ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها"، سورة النساء آية 97، ألا يرى أفراد فئة البدون أن الآية تخاطبهم، أعلم أنها نزلت لسبب آخر، لكنها تناسب ما هم فيه، وأقسم بمن رفع السماء، لو كنت منهم لهاجرت فور قراءتي لهذه الآية.

هذه الفئة تحوي من النخبة ما تحوي، فيهم الذكي، وفيهم الرياضي، وفيهم العالم، وفيهم الفقيه، وأيضًا فيهم الفاسد والمنحط، شأنهم شأن أي مجتمع.

لماذا نرى البدون يطالبون بتعليم وعلاج صحي وسكن مناسب، وهم يعلمون أن الحكومة لن تلبي طلباتهم، إن كان الكويتي لا يجد ما يطلبه، فماذا سيكون حالك أنت يا أخي..!!

إنك -يا قارئ- لو طُلب منك أمر، وفعلت عكسه، ألا تعلم أنك ستُعاقب؟ بلى والله تعلم، وكذلك إخواننا البدون، يُمنعون من الخروج في مظاهرات، فيخرجون، ويأتون بالنساء والأطفال معهم، فيُضربون ويُهانون، ثم لا تُحقق مطالبهم..!!

كلامي ليس تأييدًا لأفراد القوات الخاصة، (وأكرر: لن أقول رجال القوات الخاصة)، بل كلامي نابع من حرصي على كراماتكم، وغيرة على نسائكم، وعطفًا على أطفالكم، أرض الله واسعة، فاخرجوا من الكويت إلى بلد آخر يكرمكم، وعودوا لها بجنسية أخرى لتُعاملوا كمواطني دولة شقيقة أو صديقة، وليس كمقيمين بصورة غير شرعية، عودوا بكراماتهم التي ستحميها حكومات دولكم الجديدة، بدل أن تُداس في بلد تحبونه ولا تأبه حكومته بحبكم.

لا أحب لأحد أن يشحذ حقوقه، فإن الحقوق تُنتزع ولا تُشحذ، وإنكم في غنى عن الانتزاع والصراع، فأنتم في موضع ضعف أمام (أفراد) القوات الخاصة والحكومة، استغنوا عن ذل سؤال الحقوق بالدعاء، وبالهجرة لمن سيعرف قدركم، ولكم في النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فهو قرشي من مكة، لكنه أقام الدولة الإسلامية بعد هجرته ليثرب (المدينة المنورة)، رغم أنه صاحب حق، ومُؤيد من رب السماء، إلا أن الأمر الإلهي له كان بالهجرة.

 وأقول، أعلم وتعلمون أن الكويت هي الأجمل، قد لا تكون كذلك، لكننا نراها هكذا لأنها بلادنا، فإن اتخذتم بلادًا غيرها سترونها أجمل وأجمل، واعلموا أن الكويت ليست هي الجنة، وإن أحد منكم رأى في نفسه طاقة وإبداعًا، سيصفع بنجاحه خارج الكويت كل مسؤول أهمله، وأغلق عنه بابه، فهلموا للهجرة، يرحمني ويرحمكم الله، ولا تعودوا إلا بجنسيات تجبر غير المحترم على احترامكم، وبإنجازات تجبر من ظلمكم على استقبالكم وتقبيل رؤوسكم لطلب الصفح، ورُبما عرض عليكم الجنسية الكويتية، فتكونون قد انتزعتموها ولم تشحذوها.


سعد المحطب
4-4-2014

Twitter: @Saad_ALMohteb