السبت، 3 مايو 2014

أطفأت فرني

بسم الله الرحمن الرحيم

تلقيت قبل مدة اتصالًا من كاتب خلوق (أحيانًا أناديه: النسيب)، أحسبه ممن يريد لي الخير، فكان مما قاله: "يا سعد، لولا أن لك في قلبي معزة لما كلمتك، أطلب منك أن تخفف وطأة انتقاداتك، فإن بعض الزملاء أخبروني باستيائهم منك".

لم يخبرني بأسماء الزملاء، ولم أسأل عنهم، فمن ينقل استياءه مني لغيري، رغم سهولة تواصله معي، هو شخص في غير محل احترام عندي، ولا آبه بما يعجبه وما يغيضه، وله مني كل تجاهل وامتهان، وعموما فقد علمت من هم مباشرة، فالعاقل يعرف خصومه، وإن أظهروا موالاتهم.

أثناء قراءاتي المكثفة في الأيام السابقة لتوليد أفكار كتابي القادم، قرأت في كتاب (شحن بطارية الإنسان) كلاما مفاده: "من أراد النجاح والسعادة، فليصفّ قلبه من العداوات"، فتذكرت مقولة إنجليزية كتبتها في كتابي الأول (قهوة الثلاثاء): "لا توقد في صدرك فرنًا، فيحرقك أنت"، فقلت في نفسي: "هل فلانة الرخيصة، أو فلان متصنع الخُلُق العالي، يستحقان أن أشعل في صدري فرنًا لأجلهما؟"، طبعًا لا.

لست بصدد الحديث عن رخيصة ومتصنع، بل سأتحدث عن بعض من طالهم أذاي دون قصد، رغم كفّهم أذاهم عني، وإني أعني ما أقول حين أقول: "أعتذر".

حماسي لفكرتين كنت -ولا أزال- مقتنعا بهما، قادني إلى معاداة الشخصين لا الفعلين، وإن هذان الشخصان لم يتعدّا حدود الله، ولم يأتِيا بفاحشة حتى ينالا ما نالاه من انتقاد، بل كل منهما اجتهد بطريقته، فإن أصاب فمن الله، وإن أخطأ فمن نفسه ومن الشيطان، وكلنا معرّض لخطأ الاجتهاد.

ذاك خطأ مني، وقد تراجعت عنه، وديّة الذنب عند الكريم هي الاعتذار.

إحدى مشاكلنا تكمن في المعاداة والموالاة، فنحن -إلا من رُحم- نوالي ونعادي لأنفسنا، ليس لله ولا للحق، وإن ظهر خطأ ما كنا نفعل، فالكبرياء يمنع من الاعتذار، بل ومن الاعتراف بالخطأ، شأن صاحب ذلك الفعل شأن أبي طالب، عندما مات رافضًا نطق الشهادتين، لأن أعيان قريش من الكفار كانوا بجانبه، ويأبى كبرياؤه أن ينطق بالحق، فمات كافرًا.

إن أحدنا متى أراد الخير، فإنه يجعل نيته لله، إن نصح فنصحه لخير يريده للمنصوح وللعامة، وإن انتقد فعلا، فإنه يعادي الفعل لا الفاعل، بل إن الصحيح هو أننا حين نرى المسلم يقع في الحرام، فالواجب هو بغض الذنب، والإشفاق على المذنب، وطلب الهداية له، وليس ذلك إلا فعل ذوي النفوس السليمة.

لو رأى أحدنا ما ساءه من أحد، فما المانع من إخباره..؟ لعله غفل عن الحق فنرشده له، خاصة لو كان التواصل سهلًا، وليس زمان تسهل فيه النصيحة من زماننا، فـ (تويتر) لم يدع لأحد عذرًا.

سأفترض أن لأحدنا عداوة مع أحدهم، وينتظر منه زلة لينتقدها أمام الخلق، فيظهر سوء فعله لكل من خُدع به، وفق هذا الافتراض، أقول ما قاله الله تعالى: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم"، فأي فعل أنقى للقلب، وأقدر على إطفاء الفرن الموقد في الصدر..!! تتبع الزلات، أم الدفع بالتي هي أحسن؟ أنا سأختار الخيار الثاني، ولكل منكم الحق باختيار ما يريد.

أقول، لا تشغل نفسك بغيرك، واعمل لتحقيق إنجازك الشخصي، فكلنا راحل عما قريب، ولن يبقى إلا الأثر، طيبًا كان أم سيئًا، وتبعًا لذلك، سيُدعى لنا أو علينا، وقد يُترك ذكرنا ونُنسى..!!

اعلم -رعاك الله- أنك بخير ما عشت لنفسك وللناس، وأن الناس في ترحّم عليك حيًا وميتًا ما رأوا منك طيب الكلام والفعل، فلا يغلبنّ شرُّك الضعيفُ خيرَك الكثير، واستفد من تجربة أنقلها لك وأختم بها: تلك عداوة لا أعلم لها سببًا نشبت بيني وبين زميل في العمل، واستمرت لسنة ونصف السنة، علمت مؤخرًا أن أحدًا استعار مكان إبليس، وأشعل نارًا بيننا، ولم تخمد إلا بمبادرة مشتركة بيني وبين الزميل، فأظهر كل منا ما في قلبه من احترام للآخر، ولا يجمعنا اليوم إلا كل خير، فالحق بنا للخير رعاك الله.


سعد المحطب
3-5-2014
TWITTER: @Saad_ALMohteb

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق