الجمعة، 20 يونيو 2014

ما معنى أن تكون متدينا؟

بسم الله الرحمن الرحيم

حين التحقت بالجامعة في عام 2005، انضممت لإحدى القوائم الإسلامية كأحد العاملين بها، كنت مترددا قبيل الانضمام، لأني لست متدينًا كفاية لأنضم لهذه القائمة التي تحوي (مشايخ) صغار السن -هكذا كان ظني بالقائمة قبل أن يخيب- ، لكن الله قدّر لي أن أكون معهم، كنا نستخدم المنتديات الإلكترونية للترويج للقائمة، إذ لم يكن (تويتر) مولودًا بعد..!!

لا أزال على قدر من الفخر بكوني تمتعت بشجاعة لم ينلها الكثير من أقراني، إذ كتبت اسمي في أكثر من مقام في تلك المنتديات، وهذا فعل قلّ فاعلوه في تيك الأيام، وفي يوم وصلتني رسالة خاصة في أحد المنتديات الطلابية، لا أذكر محتواها حرفيًا، لكني أذكر معناها: "إن كنت متدينًا كما تدّعي، فلا يجب عليك الرد على (فلانة) يوم هاجمت قائمتك، فالملتزمون دينيًا لا يحادثون الفتيات ولا يجادلون"، أضحكتني صاحبة الرسالة، أضحك الله سنّها إن كانت حيّة، ورحمها إن كانت ميّتة، وغفر لها في الحالين.

كم هي صغيرة هذه الكرة الأرضية..!! إذ تكرر الموقف تقريبا بعد تلك الرسالة من الزميلة، في عام 2013 وتحديدًا في معرض الكتاب، أتاني أحد الناصحين -جزاه الله خيرًا- ليطلب مني ترك المراء مع أحد الحمقى، بحكم أنني من المتدينين وفق ما رأى من جميل ستر الله عليّ، سمعت وأطعت، رغم أنه لم يجلد ظهري ولم يأخذ مالي، وحدث موقف بعد ذلك بشهر، وآخر بعد شهرين، واستمرت خلافاتي مع أشباه الكتّاب، واستمر ذلك الصديق بنصحي مرارًا، لكن طبعي غلب تطبعي، ولم أمتنع عن إعلان الحروب ضد من تسوّل له نفسه الإساءة للذوق العام بكتاباته وهذيانه، فأنا قائد الشرطة الكتابية بأمر محتسبها.

تجولت مرة في مكتبة، فلفت نظري كتاب لامس اسمه فيني شيئًا، فاشتريته دون تصفحه، لجمال اسمه أولًا، ولثقتي بكاتبه ثانيًا، كتاب: بصحبة كوب من الشاي، للدكتور (ساجد العبدلي)، يقول فيه عن التدين ما نصّه: "التدين كما أفهمه: هو حالة روحانية داخلية في المقام الأول، وبعد ذلك حالة أخلاقية سلوكية، وأخيرًا ملامح مظهرية، تمامًا بهذا الترتيب"، لا فُضّ فوه ولا نام حاسدوه، أوجز فأقنع.

حالة روحانية لا نعلمها في الشخص، الله يعلمها ثم صاحب النفس، وحالة أخلاقية تظهر في معاملاته مع الناس، وفي غيرته على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ثم بعد ذلك في المظهر، لحية وثوب قصير للرجل، أو تستر وخفض الصوت للمرأة، ولولا هذا الترتيب لكان (السيخ) هم أولياء الله في أرضه، إذ لحاهم لا أطول منها.
كثير من الناس يخطئون حين يسيئون فهم المتدين، فإن رفع صوته مدافعًا عن الحق، قالوا: "متديّن يعلو صوتك..!!"، وإن طالب بحقه، قالوا: "تنازل عن حقك، أين سماحة دينك..!!"، وإن مشى رافعًا رأسه، قالوا: "أين وقارك وسمتك..!!"، غفر الله لهم جهلهم.

ألم يسمعوا بقول أمّنا عائشة -رضي الله عنها- يوم رأت رجلًا يكاد يموت تخافتًا..!! سألت عن سبب مشيته تلك، فقيل: "إنه من القرّاء"، فقالت: "كان (عمر بن الخطاب) سيد القراء، وكان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع"، وزاد البعض على قولها: "وإذا عطس أفزع"، كناية عن علو صوته رضي الله عنه وحشرنا ومن نحب معه.

فما بال أقوام يحسبون التدين تذلّلًا لخلق الله..!! أقول، إن حاربت الظلم والفساد فأنت على قدر من التديّن، وإن جهرت بالحق فلست من غير المتدينين، وإن دافعت عن رأيك بحزم فأنت -قطعًا- لست خالعًا لرداء التدين.
أن تكون متديّنا، فهذا لا يعني أن تبتسم حين تُضرب، ولا أن تسكت حين تُشتم، ولا أن ترضى حين تُهان، ولا أن تحابي المفسدين في الأرض، ولا أن تتنازل عن قيمك بحجة السماحة، ولا أن تعبس بوجه الناس بحجة السمت، ولا أن تفضح ذنوب من أذنب مستترًا بحجة النهي عن المنكر.

أن تكون متديّنا، فهذا يعني أن تصدّق أعمالك ما وقر في قلبك من الخير، وأن تحمل همّ غيرك وتهتم بأمر المسلمين، فمن لم يهتم بأمرهم فليس منهم، وأن تبتسم بوجه الآخرين، وأن تستر وتعفو، وتسدد وتقارب، وقبل كل ذلك أن تؤدي فروضك، وهذا كله غيض من فيض، فالحديث عن هذا المقام يطول، ولست أهلًا للإطالة فيه.

أقول، التديّن -كما أوضح الدكتور ساجد- سريرة ثم خُلُق ثم شكل، فاعمل وفق هذا الترتيب تكن متديّنًا، أو لا تعمل به وأمرك إلى الله، في كلا الأمرين لن تدخل الجنة أو النار إلا إن أمر الله بك إلى أحدهما، ومن جميل صنيع الله بنا أن الخلق لا شأن لهم بمصير أحدنا، أإلى الجنة أم إلى النار.


سعد المحطب
20-6-2014

Twitter: @Saad_ALMohteb

الجمعة، 13 يونيو 2014

كل صيحة عليهم

بسم الله الرحمن الرحيم

كتبت إحداهن سؤالا في تطبيق الـ (WhatsApp) في المجموعة المخصصة لنا -كتّاب وأشباه كتّاب- تستفسر عن طريقة حساب عدد الصفحات، في نفس اللحظة كان قد جاءني الإلهام لكتابة تغريدة في (تويتر)، قلت فيها: "أشباه الروائيين المرضى يكتبون لمجرد حشو الصفحات بهذيانهم، والدليل أنهم يحسبون عدد الصفحات، ويقررون أن (رواياتهم) ستكون بعدد كذا وكذا من الصفحات"، انتهى كلامي.

حقيقة، أنا لم أتعمد الحديث عنها، ولم أقصدها بتاتا، لكنها أصرت أنني أعنيها وأهاجمها، خاصة بعد أن أشعلت إحدى المريضات فتيل الأزمة، وشاطرها بذلك (الأخ مرزوقة) -كما أراد أن يفهم- فهوجمت وعوديتُ عدوانا ثلاثيا، مع مناوشات ومساعدات من أطراف كان يفترض بها اتخاذ الحياد حتى يتبين لهم الحق، لكن تعصبهم أعمى بصائرهم، وعميت قلوبهم.

فوجئت بالهجوم اللاذع علي، إذ فيه شتم صريح وتقليل من قيمة ما أكتب، وقيل في حقي كلاما لا يصدر إلا من حمقى متطفلين على الأدب، لأنه خال تماما من كل أدب، فكان ردي عليهم بما هم أهله، ونزلت لمستوى متدّن ليفقهوا ما أقول، ثم عدت للصعود لمستواي فلم يفقهوا، وإني -والله- أقول الحق، لأنني حين كتبت تغريدة قلت فيها: "لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال، يحسبون كل صيحة عليهم، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا"، لم يعلم منهم أحد أنني قصدت المهاجمين الثلاثة..!!

ثم قلت في وصفهم كلاما يليق بهم، لكنني قلته بأسلوب عام دون تخصيص، ففهموا أنني أعنيهم، فقاموا بتصوير التغريدة وتناقلوها بينهم للتأجيج ضدي، ونجحوا فيما أرادوا، فهنيئا لهم، لأن المثل الشامي يقول: "اللي على راسه بطحة يحسس عليها"، هنيئا لكم بطحتكم.

لم أهتم بكلام مزدوج الجنس حين قال: "من هو سعد؟ سمعت باسمه لكنني لا أعرفه"، لأنه يعرفني حق المعرفة، ويذكر أنه شتمني علنا في (تويتر) بالأمس القريب، إلا أن العزة قد أخذته بالإثم، تماما كما حدث لهشام بن عبدالملك حين رأى زين العابدين بن علي، فقال: "من هذا؟"، فرد عليه الفرزدق بقصيدة طويلة، من أجمل ما جاء فيها، قوله: "وما قولك من هذا بضائره"، وكذلك أنت يا من ادعيت عدم معرفتك إياي، فقولك ليس بضائري في شيء.

أنا أكتب المقالات منذ سبع سنوات تقريبا، في المنتديات ثم المدونات، وأخيرا في كتاب، وإن أحدا لو غمز ولمز عني دون التصريح باسمي أو اسم كتابي، فإنه لن يحرك فيّ شعرة، لماذا؟ لأنه لم يقصدني، بل قصد شخصا تنطبق أغلب صفاته علي، ولا أعرفه، هو يتكلم عن شخص له كتاب فاشل، إذن فهو لا يعنيني، لأن كتاباتي لم تفشل لحظة واحدة، بل نجحت وحاربت بها كتب الإباحية التي نرى منها الكثير.

أما النكرة الذي يحسب كل صيحة عليه، فإنه إن كان رجلا، ثم أتيت لتوجه نقدك بشكل عام لرجل لم تذكر اسمه، سيقف صديقنا في وجهك، وربما يرد لك الشتم، أتعلم لماذا؟ لأنه عديم الثقة في نفسه، ويظن كل هجوم على أفراد يشتركون معه -ولو في صفة واحدة- هجوما عليه، إذن فالحرب والشتم هما الحل الآن.

والذي في قلبه مرض أرجو له الشفاء، فإنه أصيب في مقتل بمستشفى حكومي غير مؤهل لاستقبال المرضى من أمثاله، ولن يشفى إلا بمعجزة إلهية تعيد له توازنه وعقله، إذ من المستغرب أن يطردك أحدهم من بيته، ويراك يوميا تحوم حوله، وتراقب زوايا المنزل بدقة متناهية كأنه بيت حبيب أو قريب، وهذا التشبيه ينطبق على من ينال حظرا في وسائل التواصل الاجتماعي، فما ينفك يراقب ويراقب، فقط ليجد زلة ضد من أذله، وحين يجدها يتصرف بفرح كفرح الخوارج حين علموا أن سيدنا عثمان بن عفان لم يحضر بيعة الرضوان..!! فناداهم سيدنا عبدالله بن عمر، وأخبرهم أن بيعة الرضوان في الأصل هي لعثمان، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده فوق يده الأخرى، وقال: "هذه عن عثمان"، فأصحاب النفوس المريضة هم كالخوارج، يبحثون عن الزلل لينمو بها الحقد في صدورهم، فيزدادوا مرضا على أمراضهم، إلى أن يموتوا في غيظهم موت الكلب في الصحراء، إذ لا ينتبه له أحد.

سعد المحطب
13-6-2014
TWITTER: @Saad_ALMohteb