الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

زمالة الحماقة

بسم الله الرحمن الرحيم

كنت صباح اليوم برفقة صديق في أحد المقاهي، وتحدثنا بأمور كثيرة تخص كلينا، وكان من المواضيع التي نكررها في كل لقاء هو موضوع هجومي المستمر بلا هوادة ضد أشباه الكتّاب من الحمقى والمغفلين، وكان مما دار بيننا:

-         "أنت لا تكف عن مهاجمة الجميع، حتى زملاؤك في دار النشر لم يسلموا من أذاك"
-         "من تقصد بكلمة زملائي؟ الرائع مشاري العبيد أم المبدع عبدالعزيز مال الله؟"
-         "لا هذا ولا ذاك، بل أعني فلانة وفلان"
-         "هه.. ليسوا زملائي"

أنا أعمل معلمًا في وزارة التربية، وبناء على هذا، فكل شخص في العالم يعمل معلمًا في وزارة التربية أو التعليم أو المعارف، أيًا كان المسمى في مختلف الدول، فهو زميل لي في مهنتي، وحين كنت طالبًا في جامعة الكويت كان كل طالب فيها زميلي، وهكذا هو وضع الزمالة في أي مكان أو زمان.

صديقي سالف الذكر اتهمني -وأعني الاتهام بمعناه الحقيقي- بأن فلانة وفلان هم زملائي، وحاشى لي ولكل من يكتب أدبًا أو فكرًا أو علمًا أن يكون زميلًا لفلانة وفلان..!!

أرفض زمالة أشباه الكتّاب كي لا أكون منهم، بل إنني أنزّه نفسي عن الرد على أذاهم، وأحاول التقرب من الكتّاب الحقيقيين كي أكون منهم، بل إنني أتمنى الاستماع لملاحظاتهم على ما أكتب.

كتّاب الإباحية، وكتّاب الرخص الأدبي، وكل ناشري النجاسة، أسألكم سؤالًا وأعلم أنكم لن تجيبوا:
هل تسمحون لأهلكم (من النساء خاصة) أن يقتنوا كتبكم؟

قلت أنهم لن يجيبوا، لأنهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إن قالوا (لا) فهذا اعتراف مبطن منهم على أنهم يكتبون عهرًا لا يرضون أن تقرؤه نساؤهم، وإن قالوا (نعم) فهذا اعتراف صريح على أنهم أتوا من بيوت نجسة ترضى بالعهر بأنواعه، لذا فهم لا يمانعون أن يقرؤوا أي شيء وضيع المستوى كتلك الكتابات.

آلمني فعل بعض القراء في معرض الكتاب المنصرم، كانوا ينصرفون عنا بمجرد علمهم أن كتّاب الدار عن من فئة الشباب العمرية، ومعظمهم من الكويتيين..!!

حقيقة لا ألومهم، فالمشكلة أن كتّاب العهر هم الظاهرون للسطح، فأصبحوا واجهة لأي كاتب كويتي صاعد، وإن قيل: "هذا كاتب شاب"، فالظن سيكون أنه من شاكلة أصحاب الكتب المسماة بأسماء أغنيات هابطة، تمامًا كالمحتوى بين جلدتيها.

لهذا فإني حين أحاربهم.. أحاول أن أعزل مهازلهم عن كلمة: (الكتابة)، وأجردهم من لقب: (الكاتب الكويتي الشاب)، ذلك اللقب الذي حازوه بلا استحقاق، فقط لأنهم نالوا إعجاب بعض المراهقين التافهين مثلهم، فالكاتب الكويتي الحقيقي أرقى من هذا المستوى بكثير، اقرؤوا للزميلين سالفيّ الذكر وستعلمون ما أعني، ولو قرأتم لمن يفوقهم شهرة لتيقنتم من طيب خامة الكاتب الكويتي: خذوا (سعود السنعوسي) و (بثينة العيسى) مثالين رائعين مشرفين.

أقول: أشباه الكتّاب سيغضبون من هذه المقالة، وأمام العلن.. سيدعون أنهم لم يقرؤوها، أما فيما بينهم فسينالني الشتم والقذف، وسيُقال كما قيل من قبل، وأعلم يقينًا أنني لن أسمع شتمًا إلا منهم، فمرحبًا بحسنة لم تكلفني غير مقالة بسيطة.

سعد المحطب
25-8-2014
Twitter: @Saad_ALMohteb

الأحد، 10 أغسطس 2014

غرابة المبدع والأحمق

بسم الله الرحمن الرحيم

في ديسمبر 2006 اتصل بي أحد زملائي في القائمة الائتلافية، وأخبرني أنه حاليا في كافتيريا كليتي (العلوم الاجتماعية)، لأجل التنسيق مع بعضهم بما يختص بتنظيم المهرجان الإنشادي المزمع إقامته في مارس 2007، وقال لي أنه يريدني لأعاونه فيما أستطيع.

خلال تلك الفترة التي امتدت لأربعة شهور تقريبًا، تعرّفت على شخص غريب الأطوار، لكنه ماتع الحديث، خفيف الظل، حلو المعشر، فيه من الغرابة ما يكفل استغراب كل من يعرفه، فمثلًا هو من أوائل مربّي الأسود في البيت على مستوى الكويت، ويملك هواية تجميع المجلات القديمة، إذ أراني عددًا قديمًا لمجلة مصرية يفوق عمره عمر أبي، ويصغر جدي قليلًا، وأصغر -بطبيعة الحال- من والد جدي، وأظن أنه بعمر أخ جدي، رحمهم الله جميعًا، أما غرابة سلوكه -الصديق وليس جدي- فربما يختصرها ما قام به يومًا في كلية العلوم الإدارية، تلك الكلية التي يرتادها -في الغالب- أبناء الطبقة المخملية، دخل إليها يومًا راكبًا دراجته الهوائية، وقادها بين أرجاء الكلية، ثم أعادها إلى سيارته..!!

حسب معرفتي المتأرجحة ما بين السطحية والجيدة لهذا الشخص، وحسب ما قرأت وتشبعت من قصص الناجحين والمبدعين، أستطيع القول أنه شخص مبدع، أو على أقل تقدير فإنه يملك مقومات المبدعين، أما استغلالها من عدمه، فهذا أمر عائد إليه، وإلى مدى تعطشه لتحقيق ما يطمح له الكثيرون ويعجزون عنه.

تغلب على المبدعين صفة الغرابة، وهي غرابة جُبلوا عليها ولا يتصنعونها، هم لا يفكرون في أنفسهم: "سأقوم بهذا الفعل الغريب لأكون مبدعًا"، بل إنه يتصرفون وفق الفطرة مثلي ومثلك، لكن تصرفهم بنظرنا نحن البسطاء: غريب، أما بنظرهم فهو لا يعدو عن كونه أمرًا عاديًا.

أمر غرابة المبدعين ليس سرًا يخفى، ولا مهارة تُكتسب أو تُصطنع، وهذا معلوم لدى جُلّ المهتمين بالإبداع، إلا أنني مللت من تصنّع البعض لأمور يرجون منها أن تجعلهم في مصاف عُلية المبدعين، فإني -مثلًا- رأيت من يتعمد شراء الملابس الإفريقية الغريبة ليبدو بمنظر غريب أمام الناس، وآخر يتحدث مع نفسه بصوت عالٍ لأجل أن يقول الناس: "ما باله يحادث نفسه..!!"، وهلمّ جرًا من تفاهة التافهين وحماقة الحمقى وتصنّع الفارغين.

إن كان أحد القراء غريبًا بفطرته فهنيئًا له، فإنه امتلك أمرًا يتمناه جمع عظيم من الناس، وأتقدمهم أنا، ولا أريد لغير الغريب أن يُحبط، فإن الغرابة هي خصلة واحدة من الإبداع، وغيابها عن شخص لا يعني غياب الإبداع بالكامل عنه، وأيضًا وجودها لا يعني بالضرورة أن صاحبها مبدع وناجح، فكم من غريب كان أحمقًا، دون ذكر أمثلة رغم كثرتها، وأيضًا كم من شخص نراه عاديًا عاميًا بتصرفاته، وقد خفيت عنّا إبداعاته واختراعاته.

عموم القول، الإبداع والغرابة مرتبطان إلى حدّ ما، وهما ليسا شرطين لتمام بعضهما، وغرابة التصرفات عامل من أصل عشرات العوامل التي تكمل بعضها بعضًا، فإن فُقدت واحدة فلا بأس، المهم أن نستغل كل عامل مطبوع فينا، وأن نكتفي بالمواهب دون تشعّب في كل أمر، فصاحب البالين كذاب كما يُقال، التخصص في أمر واحد أو إثنين خير من التشتت بين الكثير، ولا تتذرع بعلماء المسلمين الأوائل الذين أتقنوا كثيرًا من العلوم، فذاك زمان وهذا زمان، ثم إن العلوم الآن أعمق بكثير من السابق، والملهيات اليوم هي أضعاف ما كان قبلًا، ومشاغل الدنيا بازدياد مع تزايد أنفاسنا.


سعد المحطب
4-8-2014

Twitter: @Saad_ALMohteb