الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

هلا طائفية



بسم الله الرحمن الرحيم
 
قُبيل انتخابات مجلس الأمة 2012 (الأولى) استضافت إحدى القنوات الكويتية مرشحين اثنين، والبرنامج بطبيعة الحال سياسي، من تقديم المذيع (فلان الفلاني).

أحد المرشحين كان يمثل التيار الإسلامي السنّي، والآخر يمثل التيار الإسلامي الشيعي، وحقيقة فإن اختيارهما كان أحد أمرين:

1-    ذكاء شديد من معدّي البرنامج.
2-    ضربة حظ كانت من صالح القائمين على البرنامج.
لأن المرشحين كانا من القلة الذين يحظون باحترام كلا المذهبين، بل كل التوجهات والأيدلوجيات السياسية، لم يكن البرنامج من برامج المناظرات، كان أشبه بعصف ذهني لكل ضيف كي يحسّن من أدائه في حال فوزه، وبالمناسبة.. فاز أحدهما وفشل الآخر.

لم تجرِ على لسان أي من الضيفين كلمة (سنّة) أو (شيعة)، ولم يتطرقا لأي خلاف مذهبي، بل انصب حديثهما عن الأحوال العامة في الكويت، وناقشاه من منظور سياسي اجتماعي، ولم يتطرق أحد للدين أصلًا.

حتى قُبيل نهاية البرنامج.. كان الحوار من النوع الرفيع واللبق، عقول مثقفة تحظى بالرقي والعلم والأسلوب المهذب في الاتفاق والاختلاف، قلت (عقول) ولم أقل (عقلان) لأن المذيع شاركهما برقيهما.

حان وقت ختام البرنامج، فختم المذيع الحوار بالأسلوب المعتاد في البرامج الحوارية: شكر للضيفين، وتذكير سريع بأهم النقاط التي تم التطرق لها.. ثم حصلت السقطة..!!

قال المذيع: "سمعنا النقاش بين المرشح (فلان) والمرشح (فلنتان)، وقد أثبت كل منهما حبه للكويت وحرصه على الخير فيها، دون التطرق للأمور الطائفية"..!!

بعيدًا عن تلك الخاتمة الغبية.. سأطلب منكم أمرًا:
(في هذه اللحظة.. لا تفكر في حصان أبيض)

فكرت.. صحيح؟ لم يكن هناك داعٍ لذكره في الأساس.. لكني عندما طلبت منك عدم التفكير فيه، أجبرتك أن تفكر فيه.. أليس كذلك؟

قس على هذا الأمر ما فعله المذيع، إذ لم يكن هناك أي داعٍ لتخبرنا عن عدم تطرق الضيفين للطائفية البغيضة، وإنك بمجرد ذكرك لعدم تطرقهما لهذا الأمر فأنت تعززه وتذكرنا به.

الطائفية فتنة، والفتنة نائمة.. لعن الله من أيقظها، وإيقاظها لا يشترك أن يكون في إثارتها، بل يكفي أن تذكرها للتحذير منها في غير موضع تحذير، هكذا الأمر ببساطة.

بما أننا استقبلنا قبل أيام قليلة شهر (محرم)، فقد حدث ما توقعته تمامًا، إذ ظهر لنا بعض مثيري الفتن الحمقى قائلين كلمتهم المشهورة، الكلمة التي يبتغون مواراة خبثهم فيها:

"الشيعة.. عظم الله أجركم، السنة: تقبل الله صيامكم"

تجنب الفتن لا يكون بهذه الطريقة الحمقاء، بل تكون بأن نجعل شهر (محرم) يمر كسائر الشهور، وكل شخص يمارس عبادته وفق معتقد مذهبته، دون الدعوة لنبذ الفتنة التي هي لا وجود حقيقي لها.

نحن في الكويت (سنة وشيعة) لا نقاتل بعضنا، ولا نقطع على بعضنا شعائر دينية، وكلنا نعلم هذا الأمر الذي لا يخفى على أحد، وهو من البديهيات التي كبرنا وفقها، فما الداعي لأن تذكرنا بها خلال الأيام التي قد يستغلها المرضى للتشفّي..!!

أقول: دعوا هذا الشهر المبارك يمضي ككل الشهور السالفة، ولا تذكّروا المرضى بأن هذه أيام خلاف وفتنة بين المذهبين، لتظهروا لنا بمظهر النسّاك والمصلحين الذين لا يحقّرون مذهبًا أو يحاربون جماعة لمجرد خلاف، فإن أساليبكم باتت مكشوفة، ووالله الذي لا إله غيره إنكم لأهل الفتنة ومنبع الطائفية.

هل تعرفون حيلة الإسقاط؟

هي حيلة دفاعية لا شعورية، يقوم بها الفرد ليبرئ ساحته من عيوبه التي يعلم وجودها عنده، فيقوم بإسقاطها على غيره لينشغل الناس عن ملاحظتها فيه.

مثال: شخص كثير الكذب، حين يجلس مع أناس يعلمون بعادته السيئة تلك، فإننا نجده دائم الذم للكذب والكذابين، حتى لو لم يكن محور الحديث عن الأمر الذي يحاول نفيه من نفسه، كل هذا هو محاولة منه للبرهنة على عدم وجود هذه العادة عنده.

سعد المحطب
28-6-2014
Twitter: Saad_ALMohteb

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق