بسم الله الرحمن الرحيم
حين أصدرت كتابي
الأول (قهوة الثلاثاء) كان ينقصني أمر مهم، وهو وجود صديق الطفولة بجانبي، لكن ذلك
كان شبه مستحيل، فلقد نشب بيننا خلاف قبل مدة ولم تستقم العلاقة بعد.
بعد انتهاء المعرض
ببضعة أيام، ذهبت لزيارة صديق يسكن في نفس الشارع الذي يسكن فيه صديق الطفولة
(عبدالعزيز)، صليت العشاء في المسجد القريب، وبعد انتهائي رأيت والده، هو شيخ كبير
لكنه يذكرني، سلمت عليه وأعدت تعريفه بنفسي، ثم ناولته نسخة من الكتاب ليتسلى
بقراءته، فقال: "سأعطيه (عبدالعزيز) وأخبره بأنه إهداء منك له، لعل علاقتكما
تعود كما كانت".
لم أتوقع بأنه
أخبر والده بما كان بيننا، فقلت: "لا بأس، وشكرًا لك مقدمًا"، ومضيت في
طريقي، وبعد ذلك الموقف بأيام رأيت (عبدالعزيز) مصادفة في المطار، سلمت عليه
وتحدثنا قليلًا، ومضى كلّ منا في طريقه، وقُبيل معرض الكتاب الأخير رأيته مرة
أخرى، وطلبت منه ألا ينسى زيارتي في المعرض، فأكد لي بأنه سيحضر، ومضى كلّ منا في
طريقه.
لم أشاهده طوال
فترة المعرض، وبطبيعة الحال فإني لا أعاتب من لا يزورني هناك، بعد انتهاء فترة
المعرض قلت في نفسي: "لعلّي أراه أو أرى والده في نفس المسجد، فأهديه
الكتاب".
في يوم الجمعة،
جلست وأهلي للغداء في الأجواء الرائعة، فأتتني رسالة ليتها أخطأتني: "انتقل إلى
رحمة الله تعالى عبدالعزيز محمد الفليج".
ظل الأمل في داخلي
ألا يكون صاحبي، لكن رسالة أخرى وصلت بنفس المحتوى وبنص مختلف: "تُوفيّ الشاب
عبدالعزيز محمد عمر الفليج"، هذه الرسالة لم تدع مجالًا للشك، لفظ (الشاب)
واسم جده قطعا الشك باليقين، رُبط لساني وجرى الكلام على يدي، فكتبت بضع تغريدات
في (تويتر)، علّها تخفف حزني:
"ليت ربي
أبقاك لألقاك قبل رحيلك"
"لم تفِ
بوعدك يا (عبدالعزيز)، قلت سابقًا: سألحقك حيث ذهبت، وها أنت سبقتني وذهبت"
"لم تُكتب
لنا صحبة طويلة في الدنيا، ولم تهنئني بكتابي الثاني كما فعلت في الأول، غدًا
ستوارى التراب، ولن أراك ثانية"
"أصلح الخلل
مع أي صديق، فلربما يرحل أحدكما دون وداع، ولن يجدي الخطاب للتراب الأصم، الحمدلله
الذي صفى قلبينا مما ألمّ بهما"
"لعل روحه
تنظر إليّ، ولعلّي مررت بباله حين احتضر، ولعلنا دخلنا في قول النبي صلى الله عليه
وسلم: ورجلان تحابا في الله"
قطع حبل حزني عليه
كلام نقله لي ابن خاله: "(عبدالعزيز) كان يحبك، ودايم يسولف لي عنك، نعم الأخ
والصديق"، رحم الله صاحبي، وغفر له، وأدخله الجنة بغير حساب أو سابق عذاب.
لعل المقالات
القادمة تحوي بعضًا من ذكرياتي معه، أما الآن فلا مجال لذكر أيّ منها، فمنظره
يُحمل من نعشه إلى قبره لا يزال في ذهني، إذ كان من أواخر الناس الذين رجوت رؤيتهم
يُدفنون، لكنّا في النهاية لا نقول إلا ما يرضي ربنا: "إنا لله وإنا إليه
راجعون".
سقاك الله كوثر
نبيه، ورزقك أنهارًا من (حليب الشوكلاطة) كما كنت تسميه.
للحديث بقية بإذن
الله.
سعد المحطب
6-12-2014
Twitter: Saad_ALMohteb
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق