الخميس، 6 أغسطس 2015

أف لإيجابيتكم


بسم الله الرحمن الرحيم
يقول (فرويد) مؤسس نظرية التحليل النفسي ما معناه أن الإنسان يميل لنسيان الذكريات الأليمة، فمن منّا يحب أن يتذكر كيف كان يُضرب من والده؟ ومن منّا يحب أن يشاهد شريطًا يظهر فيك بشكل مهين..!! إلا لو كان أحمقًا.
وأنا -كما تعلمون- بشر مثلكم، آكل مما تأكلون منه، وأشرب مما تشربون، لذا فإني -مثلكم- أميل لنسيان الذكريات الأليمة، وأسبح -مثلكم- في بحر الذكريات الجميلة، لا أنقص عنكم بشيء، وربما أزيد.
وبطبيعة الحال.. فإننا -سكّان هذا الكوكب- نحاول التغلب على أي ذكرى سيئة قد تطرأ بالبال، ونملك ميلًا عجيبًا لكل من يساعدنا على ذلك، ولو كان كاذبًا..!!
انظروا -رعاكم الله- إلى من يسمون أنفسهم (الإيجابيين)، ترونهم يزينون لكم الدنيا كما لو كانت قطعة من الجنة، لا كدر فيها ولا نصب، ولا همّ ولا غمّ ولا تعب..!! بينما هي -كما يصفها (ابن القيّم)- عكس ذلك:
طُبعت على كدر فكيف تنالها ** صفوًا..!! أهذا قط في الإمكان..؟
إن -ابن القيّم- أصدق عندي من أولئك المخادعين، وهو أعلم منهم بأمور الدنيا والدين، أما من هو أعلم وأجلّ منهم ومن (ابن القيم) فإنه قال حين توفى الله ولده (إبراهيم):
"تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون"، صحيح البخاري.
أرأيتم كم كلمة تدل على الحزن؟
(تدمع، يحزن، محزونون)
أوَليس رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أولى بالإيجابية المفرطة التي يتغنى بها أولئك الدجالون..!! لِمَ لم يقل: "لن أحزن، الله يحبني ويريد ابتلائي ليختبر حبي له"..؟ نعم صحيح، (ف.ب) لم يكن موجودًا حينها.
الحزن طبيعة إنسانية، والله قدّر لنا بحكمته أن نحزن، أن نتألم، أن نبكي، أتعلمون لماذا؟
لأن الأشياء تُعرف بأضدادها، ولأنه لو جعل الدنيا دار سعادة وتفاؤل دائم، وحرّم على الحزن أن يدخل قلوبنا، كيف سيرغّبنا بجنته؟
إن كان في الدنيا حزن وسعادة، ففي الجنة سعادة دائمة، إن كان في الدنيا ألم وجبر للألم، ففي الجنة لا طعم سنعرفه للألم، إن كان في الدنيا خوف وأمن، ففي الجنة الأمان الدائم، وقس على ذلك ما تشاء.
ولا يغرنك كذب الإيجابيين، وإنك لو عرفت أحدًا منهم عن قرب لرأيت الحزن يخيّم على حياته، لكنه لو أخبرك بذلك فإنك لن تتابعه في وسائل التواصل الاجتماعي، ولن تحرص على التقاط صورة معه حين يمشي مختالًا بشهرته المزيفة، ولن يُدعى لإلقاء محاضرات إيجابية، ولن يخصص له وقت لتقديم برنامج إيجابي في إحدى الفضائيات..!! أرأيت كم سيخسر لو لم يظهر لك بمظهر السعيد المتفائل؟ الكذب عليك أسهل، لذا فإنه يمارسه بأريحية.
أقول: سنعيش آلامنا ونتعايش معها بما يعيننا عليها، وسنحزن لا محالة، واعلموا -رعاكم الله- أن الألم هو مصدر الإلهام، ولا إبداع بلا معاناة، فلا تخشَ مواجهته، امض قدمًا وعش حياتك كما هي، بحلوها ومرّها، بشقائها وسعادتها.
واعلم أنك ستنسى آلامك رغمًا عنك، فهذه طبيعة بشرية متفق عليها، وقد أكدها لنا (فرويد) في نظريته سالفة الذكر، إذن لا داعي للخوف من العيش في حزن دائم، فقط يكفيك أن تعلم أن جميع أمرك لك خير، إن أصابتك سراء فاشكر، وإن أصابتك ضراء فاصبر، وكن أذكى ممن يحاول التذاكي عليك، ليصعد إلى المجد والمال فوق ظهرك.

سعد المحطب
6-8-2015

Twitter: Saad_ALMohteb

الثلاثاء، 13 يناير 2015

ما خابت فراستي



بسم الله الرحمن الرحيم

في رمضان 1435 دُعيت إلى (غبقة) أقامتها وزارة الشباب في أحد الفنادق، فرأيت شخصًا كنت أهاجم أفعاله بسبب ما يكتبه، إذ لا يرقى ما يكتبه لمسمى (كتاب)، كنت قبلها قد كتبت مقالة في هذه المدونة بعنوان: (أطفأت فرني)، وبعثت له الرابط لقراءتها، وحين قرأها أرسل لي شكره، وبالنسبة لي فقد (طاح الحطب)، وعاهدت نفسي بعدم ذكره إلا للمدح، وهكذا فعلت.

حين رأيته في (الغبقة) سلمت عليه وصافحته.. وانتهى الموقف الجامع لكلينا، ومضت الأيام دون ذكر مني له أو منه لي، رأيته في معرض الكتاب 2014 يحادث صديقًا لي، بعدها ناديته للسلام عليه -بحكم صلاح ما كان بيننا- فلم يمتنع، قلت له مبتسمًا: "أرجو أن يكون الأمر قد انتهى فعليًا"، فقال: "لا والله أنا لا أسامحك، أمام الناس لا أحمل ضغينة ضدك، أما أمام ربي فلا، لن أسامحك، وأتمنى لك التوفيق"، وبرّر عدم مسامحته لي بأنه قرأ يومًا تغريدة كتبتها ثم دخل الاختبار، فكانت درجته متدنية جدًا، وقال لي: "مستوى كلامك كان واطيًا جدًا وأثّر بي"، لا تزال ابتسامتي في وجهي، قلت: "ابذل جهدًا أكبر في المرات القادمة، وادرس جيدًا".

المسكين يحسبني أسأله السماح والعفو، أنا لم أطلب ذلك، كل ما طلبته هو أن يصفو قلبه كما صفى قلبي، يبدو أن هذا الأمر صعب على ذوي القلوب المليئة بالسواد، أنا لم أذكر شخصك بسوء حتى أطلب السماح، هجومي كان صريحًا على الأسلوب الذي تستخدمه يا (ملتزم)، وأنا لا أزال غير مؤيد له، وقد ذكرت ذلك في أكثر من تغريدة إبان معرض الكتاب 2014، ذكرت بأني لا أحبذ أسلوب الكتابة العامية، لكني زكيته كأفضل من يكتب بهذا الأسلوب من بين المشاركين في المعرض.

في الحقيقة لم يكدّرني ردّه، بل لم أعبأ به أصلًا، أتريدون الحق؟ لقد فرحت أيّما فرح، إذ بمجرد أن غرب عن وجهي تذكرت قصة الشافعي التي قد تختلف الروايات في بعض تفاصيلها، لكنها تتفق على مغزاها:

(سافر الشافعي إلى اليمن للاستزادة بعلم الفراسة والتبحر فيه، فتعلم صفتين لا تجتمعان في رجل إلا كان خبيثًا سيء الفعل والخلق، وشاءت إرادة الله تعالى أن ينزل لدى أعرابي في الطريق ليستريح عنده، فأكرمه أشد إكرام، واعتنى بدابته، وفي اليوم التالي أراد إمامنا الرحيل، وقد حمل في قلبه حزنًا عظيمًا، فصفتا الخبث موجودتان لدى ذلك الرجل، لكنه كان كريمًا، ولم يقصّر في تأدية حق الضيافة، فقال الشافعي في نفسه: "وا خسارتاه على الطريق الذي قطعناه"، وعزم على الرجوع، فاستوقفه الأعرابي قائلًا: "أكرمتك وأطعمتك واعتنيت بدابتك، ثم ترحل دون أن تعطيني من مالك؟ والله لا أدعك تمر"، هنا تبدلت مشاعر حزن الشافعي إلى فرح، ودفع بماله إلى الأعرابي وعاد إلى مكة، فما خابت فراسته في ذلك الرجل).

لي صديق عاتبني مرارًا بسبب هجومي على ذلك الكاتب المزعوم، ويوم أردت إنهاء الخلاف.. وبعد أن بعث لي برسالة الشكر في (تويتر) أحسست بالذنب، إذ أن صديقي قد يكون محقًا، وأني بالغت في هجومي الذي ظننته -مخطئًا- غير مبرر، لكن بعد كلمته لي وتصريحه ضمنيًا أنه ينافق مُظهرًا التسامح أمام الناس، ويخفي في داخله جبالًا من الضغائن، فرحت كفرح الشافعي، فما خابت فراستي.

أقول: استفتِ قلبك في علاقاتك ولو أفتاك الناس، ثق بحدسك تجاه أعدائك، وآمن بفراستك، ولا تعتذر إلا لو كنت مخطئًا، واقبل العذر ممن يعتذر منك، اقبله بقلب صادق صافٍ:

اقبل معاذير من يأتيك معتذرًا ** إن برّ عندك فيما قال أو فجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره ** وقد أبرّك من يعصيك مستترا

سعد المحطب
13-1-2015

Twitter: Saad_ALMohteb