الثلاثاء، 13 يناير 2015

ما خابت فراستي



بسم الله الرحمن الرحيم

في رمضان 1435 دُعيت إلى (غبقة) أقامتها وزارة الشباب في أحد الفنادق، فرأيت شخصًا كنت أهاجم أفعاله بسبب ما يكتبه، إذ لا يرقى ما يكتبه لمسمى (كتاب)، كنت قبلها قد كتبت مقالة في هذه المدونة بعنوان: (أطفأت فرني)، وبعثت له الرابط لقراءتها، وحين قرأها أرسل لي شكره، وبالنسبة لي فقد (طاح الحطب)، وعاهدت نفسي بعدم ذكره إلا للمدح، وهكذا فعلت.

حين رأيته في (الغبقة) سلمت عليه وصافحته.. وانتهى الموقف الجامع لكلينا، ومضت الأيام دون ذكر مني له أو منه لي، رأيته في معرض الكتاب 2014 يحادث صديقًا لي، بعدها ناديته للسلام عليه -بحكم صلاح ما كان بيننا- فلم يمتنع، قلت له مبتسمًا: "أرجو أن يكون الأمر قد انتهى فعليًا"، فقال: "لا والله أنا لا أسامحك، أمام الناس لا أحمل ضغينة ضدك، أما أمام ربي فلا، لن أسامحك، وأتمنى لك التوفيق"، وبرّر عدم مسامحته لي بأنه قرأ يومًا تغريدة كتبتها ثم دخل الاختبار، فكانت درجته متدنية جدًا، وقال لي: "مستوى كلامك كان واطيًا جدًا وأثّر بي"، لا تزال ابتسامتي في وجهي، قلت: "ابذل جهدًا أكبر في المرات القادمة، وادرس جيدًا".

المسكين يحسبني أسأله السماح والعفو، أنا لم أطلب ذلك، كل ما طلبته هو أن يصفو قلبه كما صفى قلبي، يبدو أن هذا الأمر صعب على ذوي القلوب المليئة بالسواد، أنا لم أذكر شخصك بسوء حتى أطلب السماح، هجومي كان صريحًا على الأسلوب الذي تستخدمه يا (ملتزم)، وأنا لا أزال غير مؤيد له، وقد ذكرت ذلك في أكثر من تغريدة إبان معرض الكتاب 2014، ذكرت بأني لا أحبذ أسلوب الكتابة العامية، لكني زكيته كأفضل من يكتب بهذا الأسلوب من بين المشاركين في المعرض.

في الحقيقة لم يكدّرني ردّه، بل لم أعبأ به أصلًا، أتريدون الحق؟ لقد فرحت أيّما فرح، إذ بمجرد أن غرب عن وجهي تذكرت قصة الشافعي التي قد تختلف الروايات في بعض تفاصيلها، لكنها تتفق على مغزاها:

(سافر الشافعي إلى اليمن للاستزادة بعلم الفراسة والتبحر فيه، فتعلم صفتين لا تجتمعان في رجل إلا كان خبيثًا سيء الفعل والخلق، وشاءت إرادة الله تعالى أن ينزل لدى أعرابي في الطريق ليستريح عنده، فأكرمه أشد إكرام، واعتنى بدابته، وفي اليوم التالي أراد إمامنا الرحيل، وقد حمل في قلبه حزنًا عظيمًا، فصفتا الخبث موجودتان لدى ذلك الرجل، لكنه كان كريمًا، ولم يقصّر في تأدية حق الضيافة، فقال الشافعي في نفسه: "وا خسارتاه على الطريق الذي قطعناه"، وعزم على الرجوع، فاستوقفه الأعرابي قائلًا: "أكرمتك وأطعمتك واعتنيت بدابتك، ثم ترحل دون أن تعطيني من مالك؟ والله لا أدعك تمر"، هنا تبدلت مشاعر حزن الشافعي إلى فرح، ودفع بماله إلى الأعرابي وعاد إلى مكة، فما خابت فراسته في ذلك الرجل).

لي صديق عاتبني مرارًا بسبب هجومي على ذلك الكاتب المزعوم، ويوم أردت إنهاء الخلاف.. وبعد أن بعث لي برسالة الشكر في (تويتر) أحسست بالذنب، إذ أن صديقي قد يكون محقًا، وأني بالغت في هجومي الذي ظننته -مخطئًا- غير مبرر، لكن بعد كلمته لي وتصريحه ضمنيًا أنه ينافق مُظهرًا التسامح أمام الناس، ويخفي في داخله جبالًا من الضغائن، فرحت كفرح الشافعي، فما خابت فراستي.

أقول: استفتِ قلبك في علاقاتك ولو أفتاك الناس، ثق بحدسك تجاه أعدائك، وآمن بفراستك، ولا تعتذر إلا لو كنت مخطئًا، واقبل العذر ممن يعتذر منك، اقبله بقلب صادق صافٍ:

اقبل معاذير من يأتيك معتذرًا ** إن برّ عندك فيما قال أو فجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره ** وقد أبرّك من يعصيك مستترا

سعد المحطب
13-1-2015

Twitter: Saad_ALMohteb

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق