الخميس، 4 يناير 2018

بُكاء يبكي

 وصلني إعلان ورشة أدبية عن كتابة الرواية، قبل شهور وليس الآن، وبحكم اهتمامي بالأمر، بالإضافة إلى تفرغي في اليوم الموعود؛ لم أجد بأسًا من تسجيل اسمي في الورشة.
ذهبت إلى المكان المحدد، وفي الوقت المقرر، وركنت سيارتي في أحد الأماكن المخصصة، ونزلت منها كما ينزل أي شخص من سيارته، ففي النهاية أنا بشر مثلكم، آكل مما تأكلون وأركب كما تركبون، لا يغرنكم صيتي الذائع في بيتنا، ولا شهرتي الواسعة بين خاصتي.
انتهت المحاضِرة من محاضرتها، وفتحت باب الأسئلة والتعليقات للجمهور الذي، أظنه والعلم عند ربي، تجاوز المئة شخص، تبارك الله.
لم أشأ أن أعلق، فرغم وجود أكثر من تعقيب في ذهني إلا أنني فضّلت الصمت؛ كي لا أخسرها كزميلة، فما أكثر الذين خسرتهم، ليتني أخسر (كيلو جرامًا) مع كل شخص أخسره معرفته، سأكون حينها جلدًا على عظم خلال أقل من سنة، ولتذهب الأندية الصحية إلى الجحيم.
سأل أحد الحاضرين سؤالًا أحسبه، والعلم عند ربي، سرقه من ذهني، لا بأس بهذه السرقة ما دامت لا تمس أشياء خاصة بي، كان معنى السؤال: "من أين يأتي الإبداع، أو الأفكار الإبداعية لديكِ؟"، فأجابت دونما تردد: "من الحزن"، ولا أذكر أنها أضافت مصدرًا آخر.
ذاك شأنها، وهي صادقة فيما قالت، وليس لي أو لغيري الحق في تكذيب أو نقد لذلك المصدر، لكن لي ولغيري الحق في التعليق على ما لا نوافق عليه، أليس كذلك؟ بلى، هو كذلك، شاء من شاء، وأبى من أبى.
تابعت حسابها على (تويتر)، ليتوافق وقت متابعتي لها -تقريبًا- مع وقت وضعها لرابط مقالة كتبتها هي مؤخرًا، فدخلت الرابط لأقرأ، فلم أزدد إلا تصديقًا لها، وتأكدت أنها تعني ما قالته سابقًا.
قرأت كمية ضخمة من الحزن، ولو زادت ما كتبته بمقدار فقرتين لمررت بحالة اكتئاب مؤقت مما رأيت، لست أدري ما السبب في حزنها، بل الصحيح أنه لا يعنيني.
وهنا أجدني مضطرًا لأقتبس مقولة (د. بيرتون) لأستاذي، من حيث لا يعلم، (د. غازي القصيبي): "لا يهمني كيف يصنع النجار الطاولة"، وأنا كذلك: "لا يهمني ما يمر به الكاتب كي يكتب"، (د. بيرتون) يهتم برؤية الطاولة جاهزة أمامه، وأنا أهتم برؤية نص أدبي آسر بين يديّ.
حسنًا، لِمَ لست موافقًا على ما قالته الفاضلة بشأن الحزن؟ لأني أرى الحزن يولد الحزن، وأنا أقرأ لأستمتع لا لأبكي، لماذا يصر البعض على نقل مآسيه لغيره؟
تُوفيّ صديق لي قبل بضع سنوات، فكتبت مقالًا أرثيه فيه، وشاء الله قبل أيام أن أقرأه على جمع من الناس في رابطة الأدباء، انتهيت من القراءة؛ فرفعت عينيّ إلى الجمهور؛ فلم أرَ إلا الحزن قد خيّم على المسرح العريض، فقرأت بعد ذلك مقالة كتبتها في لحظة فرح، فانقسم الحضور ما بين باسم وضاحك.
انتِ، يا فاضلة، تملكين حسًا أدبيًا عاليًا، ومهمتك تتجاوز (الفضفضة) لإبكاء الناس، الأديب يرقى بالذائقة، والقارئ يتأثر بكاتبه المفضل، لست أرجو أن نرى ارتباطًا بين الأدب والحزن.
ولأخبركِ سرًا لا يخفى على أحد، صحيح أنه لا سعادة كاملة في الدنيا، لكن الأصح أنه لا حزن دائم أيضًا، والأصل في الأمور هو الفرح، أما الكدر فهو أمر عارض لا يلبث أن يختفي، ألا ترين الناس يُعالجون من الحزن، ولا يشتكون من سعد*؟ فالشكوى تكون من الاستثناءات.
(*لا أقصد أن أستغرب من عدم شكواهم مني، بل أعني السعادة)
وعلى كلّ، أنصح من يقرأ أن يستلهم إبداعه من أمور مفرحة، كأن يحاول استخراج فكرة إبداعية حين أطرأ بباله، أو عند قراءته أحد كتبي، أو لدى سماعه صوتي، أو أي شيء مرتبط بي، ومن لم يجد؛ فعليه بصورتي.
وقبل أن أختم، أقول: أكتب الآن، بينما جميلتي (جمانة) تلهو أمامي ضاحكة، وترسل لي قبلاتها عبر الهواء تارة، وأخرى تحضنني قائلة: "بابا، أحبك"، فأي سعادة تحفز الإبداع أكثر مما أنا فيه؟
سعد المحطب
4-1-2018

هناك 3 تعليقات: