أديب يأكل (المرتديلا)
استرعى انتباهي يومًا
حساب إحداهن على (إنستقرام)، رأيته مما يستحق المتابعة، فبادلتني فعلي، إذ من
المسلّم به أنها فُتنت بأحد أمرين: إما تصويري الأقل من عادي، وإما بي شخصيًا، مع
ترجيحي للخيار الثاني، فليست هي الأولى ولا الأخيرة، وافتتان العوام من فضل ربي
ليبلوني أأشكر أم أكفر.
أذكر أنها -غفر الله
لها- وضعت صورة تنافي بالتعليق تحتها ما عكسه حسابها من خلال مئات الصور السابقة، إذ
أظهرت تفاؤلًا غير مسبوق تجاه الوظيفة، وهي التي ما انفكت تتذمر طوال أعوام،
وتواريخ الصور السابقة تثبت ذلك.
كانت الصورة عبارة
عن منظر للشارع المزدحم، وأدرجت تعليقًا تحته يوحي بالنشاط والتفاؤل، وهو الأمر
الذي دفعني لأستفسر عن حقيقة التعليق، فكان ردّها صاعقًا: "أتسخر وأنت عضو في
رابطة الأدباء..!!"، لعلها كتبت ذلك ظنًا منها أن ردّها من الردود المسكتة
التي سيتداولها العرب لأزمان.
من يعرفني لن
ينتظر تكملة للقصة، لأنه قطعًا سيعلم أني لا أرد على تعليقات كتلك، انتظرت ردًا
مني فطال انتظارها، فانتقمت لنفسها بإلغاء المتابعة، وكم آلمني ذلك، فلقد وددت أن
أسبقها بحظر يلغيها من الوجود الإلكتروني أمامي للأبد، لكن قدّر الله أن تسبقني.
في العادة حين
أكتب مقالة فإني أرسل الرابط لمن أحسبهم يقدّرون الجمال، ومن بينهم الفاضل (طلال
الرميضي)، الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين، حتى لحظة كتابة هذا المقال،
لكني أجدني الآن مضطرًا لأستثني اسمه من القائمة المباركة، خوفًا من شطب عضويتي في
الرابطة، إذ لا يليق بعضو أن يكتب تعليقًا ساخرًا، ولو كان من أبناء مدرسة الأدب
الساخر.
استنكار السيدة
الفاضلة ذكرني بأمر حدث قبل سنوات طويلة، ففي يوم كنت أجلس إلى مائدة الإفطار في
بيتنا، وكان أبي غاضبًا بسبب أمر لا أذكره، ولم تكن لي فيه يد، فسألت أمي:
"هل عندنا (مرتديلا)؟"، فردّ أبي: "ابن من أنت حتى تأكل
المرتديلا؟".
لا أعلم سر
العلاقة بين النسب وأكل المرتديلا..!! لعلها نفس العلاقة بين كون المرء عضوًا في
رابطة الأدباء ووضعه تعليقًا ساخرًا، وعلى كلّ؛ فما زلت أضحك كلما تذكرت الموقف أو
ذكرته، وكذلك يفعل كل آل بيتنا، أعني موقف المرتديلا بطبيعة الحال.
البعض يسيء الربط
بين الأمور، فيخلط حابلًا بنابلٍ ليصل إلى مبتغاه غير السوي، ومن كانت مقدماته
فاسدة فإن نتائجه لن تسلم من الفساد، وهذا نهج الضالين المضلين، من أمثال
الليبراليين والعلمانيين ومن شابههم، قاتلهم الله جميعًا، وأخزاهم في الدنيا قبل
الآخرة.
المضحك أنهم أول
من يعلم أن ربطهم خاطئ، لكنهم يستغلون سذاجة السذّج ليضلوهم كما ضلوا، أذكر يومًا
رضيت النزول لعقلية ملحد يخفي إلحاده، ويتوارى خلف مصطلح (علماني).
أرسل لي صورة لدواعش
يهتكون الأعراض، ثم قال: "هكذا كانت الفتوحات، لنعترف بشجاعة أن البلاد لم
تُفتح (أو لنقل تُحتل) بالورود، بل بهذه الطريقة، اقرأ التاريخ وستُصدم"، ولو
أردنا تحليل ما أتى به لخرجنا بما يلي:
المقدمة: اعتبار (داعش)
جيشًا إسلاميًا.
النتيجة: الإسلام دين إرهابي.
النتيجة: الإسلام دين إرهابي.
وهذه النتيجة
بطبيعة الحال فاسدة كما أسلفنا، وذلك تبعًا للمقدمة الفاسدة، فالإسلام بريء من
الإرهاب براءة الذئب من دم (يوسف)، وهذا ما لا يخفى إلا على ذوي العاهات الفكرية،
فما يسمى (داعش) لا يمثلون الإسلام بحال من الأحوال، هم (كلاب النار) كما قال
النبي عليه الصلاة والسلام يوم أخبر عن الخوارج.
للجهاد شروط لا
تنطبق على ما تفعله ميليشيات داعش، والفتوحات الإسلامية كانت تتم بطريقة إنسانية
ولأغراض أخروية، وليس كما يروج (العلماني – الملحد) الأخرق، وهي فتوحات وليست
احتلالًا، فتوحات رغمًا عن أنفه وأنف من علّمه.
وعلى ذكر
الفتوحات؛ فقد سألني يومًا: "لماذا تضع كلمة (غزة) بجانب اسمك في
(تويتر)؟"، قلت: "هي قضية كل مسلم"، فقال: "لماذا لا تعتبر ما
يفعله اليهود فتحًا كما فعل المسلمون سابقًا؟ فصلاح الدين كذلك احتل القدس
واغتصبها من الصليبيين".
مرة أخرى يعطينا
مقدمة فاسدة؛ ترتبت عليها نتيجة تشبهها، فقد خلط بين فتح القدس الذي يرمي لإنقاذ
مقدسات الإسلام، وتم فيه تأمين من اختار البقاء على كفره من أهل الذمة على أنفسهم
وأعراضهم وأموالهم مقابل دفع الجزية، وبين احتلال تدمر فيه المدن وتؤخذ فيه
المساكن عنوة، وتُقتل فيه الأنفس دون وجه حق.
وكذلك فقد أظهر (العلمانيُّ
– الملحدُ) الفتحَ كأنه يقتل كل من ليس على الإسلام، وهذا ما أثبت التاريخ عكسه
بالأدلة الدامغة، ثم إني لا أعلم كيف تكون مدينة فيها (المسجد الأقصى) ملكًا لغير
المسلمين..!!
وعلى كل حال؛ فمن
صحّت مقدماته؛ صحّت نتائجه، كما أسلفنا، لهذا فليعلم من لا يعلم أن الأمور غير
المترابطة في داخلها لا تستحق الرد، بل إن بعضها وإن ترابطت لا تستحق الرد، فلينأى
كل امرئ عن سفيه القول، فإن ذلك أسلم لمزاجه من التعكير، ولنفسه من الكدر.
سعد المحطب
27-1-2019
27-1-2019
مقال جميل ياصديقي وكتب بأسلوب أدبي سلس رائع تناول العديد من النقاط المهمة وبطريقة جميلة ..
ردحذفونحن في رابطة الأدباء نشجع بمثل المقالات الساخرة و الهادفة لرقي المجتمع .
ولا تحاتي واستمر في الكتابة فنحن مع المزيد من الحريات الفكرية ، ولا نشطب عضويات الزملاء إلا بعد مخالفتهم الصريحة للوائح المنظمة للعضويات بدون تعسف ولا غيره ..
تحياتي أيها المبدع
(التعليق من الأستاذ طلال الرميضي)
وصلني منه شخصيًا عبر الواتساب