الجمعة، 15 فبراير 2019

(حطين) في الذاكرة

(حطين) في الذاكرة
بعض الناس يولدون وفي أفواههم مغارف من ذهب، كما يُقال، أما أنا فأظنني وُلدت مرتديًا لباسًا رياضيًا، أحب الرياضات في كثير من أشكالها، وفي كل حقبة أتعلق بإحداها، باستثناء (اليوجا) التي لن أتعلق بها أبدًا، في حال سلّمنا أنها من الرياضات.
كرة القدم بطبيعة الحال هي أولى اهتماماتي، تليها رياضة المشي، أو الجري في حال كانت اللياقة جيدة، وهذا أمر يجعلني أبحث عن أفضل الأماكن لممارسة اهتماماتي، منها ملاعب جمعية الإصلاح، أو ملعب بيت الزكاة، لكني لن أتكلم عن الكرة حاليًا.
قبل الزواج كنت أملك نقودًا لا تُحصى، ولم يكن مكلفًا بالنسبة لي أن ألتحق بنادٍ رياضي تكلفته عالية، خاصة وأنه يحوي في مرافقه أماكن لممارسة كل الرياضات تقريبًا، بما فيها (اليوجا)، في حال سلّمنا أنها من الرياضات.
لكن المحزن أني بعد الزواج فقدت جميع ثروتي، ولم أستطع بطبيعة الحال تجديد اشتراكي في نفس النادي، الخيار الأمثل المؤقت كان في الذهاب إلى الممشى المجاور لسكني الجديد، وهكذا استمر حالي منذ الزواج وحتى لحظة مغادرة الكويت للدراسة، أذهب بشكل دوريّ لأجري ما شاء الله لي أن أجري.
الممشى متاح للجميع، رجالًا ونساء، وممنوع فيه اصطحاب الكلاب والدراجات الهوائية، وهذا أمر يخالفه بعض الكلاب الذين يأتون مصطحبين معهم دراجاتهم وكلابهم، أجلّ الله القارئ والسامع.
والحق يُقال؛ فلم أشهد يومًا أي مخالفة شرعية أو عرفية تُرتكب هناك، حتى ذلك الرجل، الذي أقدّر أنه في العقد الخامس، حين تبادل الإعجاب مع امرأة أظنها من نفس جيله؛ لم يقترب منها أمام العلن، بل واعدها سرًا في (كاريبو بيان) صباح أحد الأيام، فرأيتهما ثم أدرت وجهي عنهما، ومن يومها لم يعد يرد عليّ السلام إن سلّمت، ليتهما ذهبا إلى (مروج) بدل (بيان) ذلك اليوم.
قبل مدة من الآن حدثت ضجة لم أولها اهتمامًا، وأتطرق هنا كحدث تافه مرّ وذهب:
أستاذة قانون في جامعة الكويت مضطربة نفسيًا، لعلها تلقت تعنيفًا حوّلها من سوية إلى نسوية، ومن إنسانة إلى إنسانية، ومن مسلمة مسالمة إلى مسلمة معادية للإسلام، تعدّت على الذات الإلهية، وبعد أن صدر بحقّها حكم قضائي فرّت منه، أستاذة قانون تفر من القانون..!!
هربت إلى بلاد بعيدة، إلى أمريكا تحديدًا، ومن هناك بدأت تشتم الأوضاع في الكويت، شأنها كشأن الجبناء من أمثالها، ثم بدأت تحبب الناس بالهجرة وتحثهم عليها، شأنها كشأن إبليس، فحين يوم تأكد من خلوده في النار؛ أقسم أن يجر من يستطيع جرّه من الخلق معه.
ولكي تغري المضطربات من جنسها بدأت تحكي لهن عن مقارنات تتعلق بالعلاقات المباحة هناك، وبالتحرش غير الموجود في مهجرها حسب زعمها الكاذب، فكتبت تغريدة نصها الآتي:
"نعمة كبيرة إني أستطيع ممارسة رياضة الركض على الرصيف sidewalk من دون أن أتعرّض لأبشع كلمات التحرش والنظرات وأبواق السيارات.
في الكويت لا تسلم المرأة من نظرات ولسان الرجل (مدّعي الدين والشرف)!"
من هذه التغريدة نعلم أن مشكلتها متعلقة بأمور بسيطة لا تستدعي الهجرة، هي تريد ممارسة رياضة المشي دون التعرض لما زعمت وجوده في الكويت، ولستُ أنكره بدوري، لكني لا أعتبره ظاهرة، ولا أعلم إلى أي ممشى كانت تذهب هي، ولو سألتني لأشرت لها إلى ممشى (حطين) المنضبط، باستثناء ظاهرة وجود (الكلاب والدراجات الهوائية)، والتي بدورها لم تشتكِ منها، إذن فلا مشكلة ستواجهها هناك.
ثم ألا تملك المال (وهي أستاذة جامعية) لتشترك في نادٍ لا يُسمح فيه بدخول الرجل (مدّعي الشرف والدين)..!!
ومن المشاكل التي دعتها للهجرة، كما تزعم في تغريدتها، أن المرأة لا تسلم في الكويت من النظرات واللسان، لهذا ارتأت أن تهاجر لبلد لا تسلم فيه المرأة من اللمس والضرب والهتك، منطقك سليم أيتها الشريفة العفيفة.
الحماقات تتكشف وتتعرى على ألسنة أصحابها، فالهاربة وأمثالها من أعداء الدين يرون الحرية في التنصل منه، ولا يقرّون بتحيزهم ضده دون منطق، وينسبون كل تصرف يخرج من مسلم أنه الإسلام.
تعدّوا المرحلة التي كان يُقاس فيها الدين بتصرفات العلماء الخاطئة، فصاروا يقيسونه بكل تصرف يخرج من أقل المسلمين إسلامًا وإيمانًا، ولو أقرّ صاحب الفعل أنه فعل ذلك بدافع العادات والتقاليد فإنهم لا يصدقونه، بل يصرون على ضرب الدين بكل السبل، وليتهم يفعلون ذلك بعقل، بل إن الله يلهم ساداتهم ليرسلوا أراذلهم؛ فينكشف زيف فكرهم بسوء فعلهم.
على كلّ حال، فالدين باقٍ ما بقيت الأرض، وممشى (حطين) لن يُدنّس، وسأعود إليه بإذن الله بعد تخرجي، أما ذلك الرجل فأنصحه أن يواعد في (ستاربكس) في المرّات الأخرى، فإني قليل الذهاب إلى هناك.
سعد المحطب
15-2-2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق