الأربعاء، 17 يوليو 2019

(ديزني) وعشاء الآداب


(ديزني) وعشاء الآداب
ارتديت أجمل حُلة أملكها، ووضعت محفظتي الخالية من النقود في جيبي الأيسر، ونظارتي البرّاقة فوق رأسي ريثما أخرج من البيت، ثم رششت نصف قارورة العطر على أنحاء جسمي، وسلّمت على أمي سلام من سيراها بعد قليل.
اتجهت إلى كلية الآداب لحضور محاضرة في يومي الجامعي الثاني، لكني وجدت ورقة اعتذار معلقة على الباب، فسألت من لا أعرفهم إن كان هذا أمرًا طبيعيًا؛ فأجابوا بالإيجاب، فدعوت الله مخلصًا أن تكثر الاعتذارات ما شاء لها أن تكثّر.
عدت للبيت؛ فتفاجأت أمي من عودتي بعد خروجي بأقل من ساعة، فاعترفت مفتخرًا أني قدت السيارة بسرعة (160-180)، وصادف تهوّري تسيّبًا من الدكتور، فعدت بهذه السرعة.
في مساء ذات اليوم كنت مدعوًا إلى عشاء مقام على شرف مستجدّي كلية الآداب، آخر شيء أذكره أني أخرجت السيارة من تحت المظلة، ولما فتحت عينيّ وجدتني في المستشفى إثر حادث نتج، في الغالب، من تهوّري، وحقيقة لا أذكر إن كنت متهورًا أم لا.
سألت الطبيب عن أثر العملية في ساعدي الأيسر؛ فاستسخفه واستسهل أمره: "يمكنني إزالته بعملية تجميل بسيطة متى أردت"، لكني لم أسأل لأزيلها، بل سألت خشية أن تزول لوحدها، فاطمأنت نفسي أن أثرًا كهذا لا يزول إلا بعملية أخرى، وهذا ما لن أقدم عليه.
في ذلك العمر الصغير الذي لم يتعدّ (18) سنة؛ ذكرت قصة الحادث لصديق، فسألني عن سبب عدم إزالة الأثر، فقلت: "نحن في الجامعة، والفتيات يملأن المكان، وهن يُعجبن بذوي الجروح والندوب البارزة"، فحسدني على ندبة لم تكلفني شيئًا عظيمًا، وكلفت والدي سيارتين، الأولى الهالكة، والأخرى البديلة، لا شيء آخر يُذكر.
لم يكن ذلك السبب حقيقيًا بطبيعة الحال، الحقيقة أني أردتها عبرة لأولادي في قابل السنوات، أريدهم أن يلتزموا بقواعد السلامة المرورية، وأن يربطوا الأحزمة مهما قصُر المشوار، وأن يلتزموا بالسرعة القصوى المحددة، تمامًا كما أفعل منذ ذلك الحادث الذي كان في عام (2005).
بعد الحادث بعشر سنوات؛ رُزقت (جمانة)، وفي عامها الثاني لاحظت الأثر القديم، سألتني عنه، فأخبرتها القصة وفق ما يناسب عقلها، ومنذ إخباري لها؛ لم تركب السيارة دون حزام إن كان المشوار قصيرًا، أما إن كانت وجهتنا بعيدة فإنها لا تجرؤ على الركوب في المقعد الأمامي.
كنت أستطيع إزالة الأثر بعد العملية بشهر، لكني خططت لأمر بعيد قد لا يحدث، فتركت الخطة قائمة من باب الاحتياط، إن حدثت كان بها، وإن لم تحدث فلن تشوهني ندبة الساعد، وإزالتها لن تزيدني حسنًا، وقد جرت الخطة وفق ما رجوت، وآتت ثمارها.
بعض الأمور يمكن أن تسير بسلام، لكن النتائج لن تعدو أن تكون (عادية)، كما نفعل في كثير من أمورنا، كخروج أحدنا لنزهة صباحية دون تحديد وجهة، الأمر ليس جللًا، لا بأس.
الجلل أن نجد أحدنا يعلن عن رغبته بأمر مصيري فكّر بخطوته الأولى، أما الخطوة الثانية فما تزال مجهولة، كمن استخرج رخصة دار نشر للكتب، واعتمد على (كُويُتب) واحد، وأنفق كثيرًا من أمواله لجلب آخرين يكسب من وراء مبيعاتهم، فلم يصمد أكثر من سنتين، وأغلق مشروعه الفاشل.
صديقنا هذا يملك مالًا وفيرًا، لكنه فقير في التخطيط، سار بلا مخطط في مشروع أدخل آخرين إلى نادي المليونيرات، أما هو فقد خرج من الباب الخلفي للنادي مدحورًا مخذولًا.
في مقابل صديقنا الأحمق؛ فإن (دياني ديزني) حين رأت مدينة الملاهي الأشهر في العالم، قال لها أحد المهندسين: "للأسف فإن والدك لم يعش ليرى المدينة كما هي الآن"، فقالت: "بل لقد رآها، كان يتخيلها كل يوم تجتذب السياح من كل العالم".
فرق عظيم بين من سار وفق مبدأ (البركة)، ومن سار وفق مبدأ (التخطيط)، في هذا المعنى نجد (ستيفن كوفي) قد قال في العادة الثانية: "ابدأ، والنهاية في ذهنك".
إن عملًا لا ندري ما نهايته؛ الأفضل ألا نبدأ به، وإلا لن نختلف عن حال لاعب (الكجوكمبو) الذي نازلني دون أن يعد العدة لهذا اليوم، ولم يخضع لتدريب مكثف ولم يلتحق بمعسكر، نازلني معتمدًا على حزامه المتقدم علي، ونازلته وفق خطة اعتمدت على تسرّعه الواضح، فكان كلما رفع رجله ليركلني؛ أمسكتها وأسقطته، فصرعته وسحقته بفارق نقطة واحدة، صحيح أنه فارق لا يُذكر، لكنه كان كفيلًا بمنحي الميدالية الذهبية.
ولا أعني بحال من الأحوال أن نعمل كالحواسيب، فلا نتحرك شبرًا إلا وفق خطة، وإنما الأعمال التي تتطلب جهدًا ووقتًا ومالًا، وتترتب عليها أمور مصيرية أو مهمة؛ هي فقط ما تستوجب التخطيط، وبالنسبة لي فإني كثيرًا ما أخرج من البيت دون دراية عما أريده، فأستمتع في غالب الأحيان للصدف المخبأة لي في يومي.
سعد المحطب
17-7-2019