الاثنين، 19 أغسطس 2019

كل البياض


كل البياض

أجلس في غرفتي وحيدًا، أتقلب بمتعة فوق فراشي الكبير، وأقفز كما كنت أفعل صغيرًا، ثم تدخل علي أمي بطلب مكرر ألف مرة، تريدني أن أذهب لشخص يعرف أطعمة لا تسبب السمنة، رأت صورته في إعلان ضخم في الشوارع، فأصرّت كثيرًا أن تأخذني إليه.
العمارة ضخمة وتحوي محلات كثيرة، وعلى أحدها صورة شخصين متشابهين كثيرًا، ربما هما توائم، لكن أحدهما في الصورة سمين جدًا، وأخوه النحيل في الصورة المقابلة يمسك سروال أخيه ويضحك، سأحافظ على أغراضي حين أعود للبيت، لا أريد أن يسرقها أخي ويصور بها.
كل الذين في المحل يملكون أجسامًا تشبه جسم صاحب الصورة عند الباب، وأنا أيضًا يسمونني سمينًا.. ووزني لم يصل إلى (80 كجم)، الناس غريبون باتهاماتهم، لقد أجبروا أهلي على إجباري أن آتي إلى تاجر السمنة ليخبرني كيف وماذا آكل، أمي في طفولتي لم تتدخل، وهذا الأصلع في الإعلان الكبير يريد التدخل.
أنا اليوم في زيارتي الأولى، أجلس في غرفة الانتظار شديدة البياض، كل شيء فيها بلون قلبي، هكذا أخبرتني أمي، تقول أنها تحبني، وأنا أصدقها، فهي لا تتركني أخرج وحدي أبدًا، ولو خرجنا فإنها تتولى الحديث نيابة عني، أستطيع الحديث وأعرف استخدام كلماتي، لكني كلما تحدثت مع شخص فإنه إما أن يكون أصمًا أو ضعيف السمع، أو متخلفًا عقليًا، لا يفهم كلامي سوى أمي، أحيانًا أصدقها حين تقول أن الأذكياء لا أحد يفهمهم، وأحيانًا أحس أن لساني الثقيل هو السبب.
موظفة الاستقبال تبتسم بوجهي كلما رأتني، وكذلك الفتاة العملاقة الجالسة أمامي، أما الرجل السمين عند الباب فإنه يتصرف كأنه لا يراني، كلما رأيت رجلًا في محل التاجر الأصلع رأيته سمينًا، ربما لا يسمح بدخول النحيلين، أظنه تجمعًا لذوي القلوب البيضاء.
كل الناس هنا يشبهون بعضهم، إلا أنا أراني مختلفًا عنهم، ربما لأن الله يحبني، كما أخبرتني أمي، فقد ميزني عنهم بالشكل، أعينهم كبيرة تشبه عيني (وسيم)، أما أنا فأشبه (مجد) في عينيها.
نادت المرأة المرتدية للبياض اسمي، وطلبت أن تقيس وزني وطولي، ميزانهم لا يعمل كما يجب، وزني لم يتجاوز الثمانين، أمي تقول ذلك، أما المرأة فقد أخبرتنا أن وزني (110 كجم)، وطولي (165 سم)، ربما لساني الثقيل الذي لا أستطيع إدخاله في فهمي هو السبب في الزيادة هذه، لكني سعيد بطولي، رغم أن رقبتي قصيرة جدًا، أمي أخبرتني أن الله أخذ رقبتي ليخبئها لي في بيتنا في الجنة، ابتسمت تلك المرأة، وقرصت خدي بقوة، ثم قالت لأمي: "أطفال الداون هم أحباب الله".
شكرًا لأمي لأنها تساعدني كل يوم في كتابة يومياتي، هي الوحيدة التي تفهمني دون أن أعيد كلامي.
سعد المحطب
16-8-2019