شيخ البوتيكات
سرحت في خيالي
قليلًا؛ فرأيتني أملك مقهى فاق ستاربكس وكاريبو، كتب الله تعالى له النجاح
والقبول؛ فانتشرت فروعه في أرجاء الخليج العربي، ثم في الوطن العربي، وأخيرًا في
أوروبا، قرأت بعدها مقالًا يهاجمني فيه كاتب أجير وضيع لأني سمحت لوكيلي في
بريطانيا أن يفتتح فرعًا قبل شهور في مجمع يحوي محلات تبيع الخمور.
عدت إلى الواقع؛ فرأيتني
(ما عندي ما عند جدتي)، كل خيالاتي كانت خيالًا اختفى بلحظة، إلا الكاتب الأجير
الوضيع رأيته عيانًا، بل إنهم كتّاب أجراء وضيعون، عددهم أكبر من أن يُحصى، اجتمع
جُلّهم لمحاربة شخص لا يحبونه لأسباب تخصهم وحدهم، وجدوا شيئًا يعيبونه به؛ فلم
يستنكفوا أن يسخّروا طاقاتهم وأقلامهم الفاجرة لمهاجمته.
انتشر خبر تعاقد
القارئ (مشاري العفاسي) مع شركة (بوتيكات)، فقامت الدنيا ولم تقعد، ولألخّص جميع
التهم المنسوبة لضحية الشتم؛ فإني أجمعها في فقرة واحدة، وأقول على لسانهم:
"بدأ شيخًا
يقرأ القرآن، فتسلق عليه واكتسب شهرة، ثم تحول إلى الإنشاد ليكسب جمهورًا أكبر،
وحين نال ما يريد؛ أصبح تاجرًا يبيع العطور بأسماء عربية وإسلامية، والأسعار عنده غالية
جدًا، ثم بعد ذلك كله تعاقد مع (بوتيكات) الذين يبيعون منتجات بأسماء أشخاص لا يصح
أن تقترن باسم شيخ، وأصبحت صوره توضع بجانب صورة العارضة والممثلة والمذيعة".
أجيب، وبالله
التوفيق ومنه التأييد:
لنعلم في البداية
أن (مشاري العفاسي) قارئ وليس عالمًا، وإنما يُنادى بلقب (شيخ) تشريفًا لما يحفظه
في صدره، هو لا يفتي، ولا يبدي رأيًا ملزمًا لأحد غيره، سلطته لا تتعدى أهل بيته،
شأنه شأن غيره، وكما هو الحال بالنسبة لكثير ممن نحسبهم على دين؛ فإنه يحب العطور
والطيب، فافتتح محلًا لبيعها واكتساب الرزق عن طريقها، لا تصح محاسبته أو لومه، بل
حتى لا يصح سؤاله، هو حر فيما يتاجر به.
أما فيما يتعلق
بالأسعار؛ فبضاعته ليست من السلع الضرورية التي لا تستقيم الحياة دونها، وبالتالي
يحرم احتكارها ورفع أسعارها، ثم إن من يشتكون من أسعاره هم نفسهم الذين يشتمونه
ويعيبون عليه افتتاح مشروع العطور، كيف سأوفّق بين كونهم يعيبون عليه بيع العطور،
وشكواهم من الأسعار؟ لا أفهم من ذلك إلا أنهم يريدون الشراء منه، لكن أسعاره تمنعهم،
توجد عطور بروائح طيبة وأسعار رخيصة، ليذهبوا لشرائها، لكن لا تطلبوا من (فيراري)
أن تبيعكم بسعر (نيسان) فقط لتناسب ميزانياتكم..!!
أما (بوتيكات)،
وما أدراك ما هو، لا أراه يختلف عن (أمازون) أو (علي بابا)، ولا حتى (طلبات) أو
(كاريدج)، جميعهم أسواق افتراضية، وكل عارض عندهم يمتلك في ذلك السوق محلًا افتراضيًا،
وبدل الإيجار فإنه يدفع نسبة من الأرباح، وبالعودة إلى مقهاي في أوروبا؛ هل فعلًا
كان سيعيبني لو أني افتتحت فرعًا في مجمع يباع في أحد محلاته خمر؟ الحال لا يختلف
هنا، فصديقنا (العفاسي) افتتح محلًا افتراضيًا في المجمع الافتراضي، والذي قامت
المذيعة والعارضة بالتأجير فيه، لا شبهة في الأمر، فلو سرنا وفق هذا المنطق الأعوج؛
فلن نتاجر ولن ندرس ولن نلهو، لن يغادر أحد صومعته، أهل الفساد كُثُر، ولهم أذرع
في كل مكان، لو تُركت لهم لاحتلوا العالم، ولبقي الملتزمون في صوامعهم وجوامعهم
يتعبدون حتى قيام الساعة.
وختامًا أقول:
اشتريب لأبي عطر (المتنبي) وأعجبه، واشتريت لنفسي عطر (الفرزدق) فأسرتني رائحته،
أنصح به كل من لا يكره شخص (العفاسي)، وأيضًا من يكرهه دون أن يفجر بالخصومة.
سعد المحطب
5-5-2020
5-5-2020
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق