الثلاثاء، 17 أغسطس 2021

حاربوا الفساد بالرقص

حاربوا الفساد بالرقص

        بعثت رسالة بلا سبب لشخص لم يفهم محتواها، وأيضًا لم يفهم مقصدي منها، الحقيقة أني لم أكن أقصد شيئًا، إنما هو بيت شعر مرّ ببالي فكتبته، هذه إحدى الطرق التي أتبعها كي لا أنسى.

يقول البيت:
نهاني عقلي عن أمور كثيرة ** وطبعي إليها بالغريزة جاذبي

        أي أن العقل ينهانا أحيانًا عن فعل أمور ننوي فعلًا أن ننتهي منها، لكننا نجد الطبع يغلب التطبع، فنجد أنفسنا نفعل الأمر بلا وعي، أو بوعي لكن بلا مقاومة، وكأننا نفعل الأمر لأجل البقاء، نقاوم به ما نعانيه في حياتنا اليومية، نركن إليه محاولين الهرب مؤقتًا من أشياء تقلقنا.

        اليوم صباحًا مر البيت ثانية ببالي، فوجدت نفسي أردده باسمًا بعد أن قرأت تغريدتين لفتاتين، أبغض في الله إحداهما فكرًا وفعلًا، أما الثانية فلا أجد ما يعيبها غير بعض الأفكار التي تصرح بها أحيانًا، وسأصمت عن ذمّ فكرها لاعتبارات تعنيني.

        تقول الأولى: "تشغلهم تماثيل -ودورات رقص في أندية نسائية- إعلانات في فضاء الإنترنت، تشغلهم.. عن الفساد المنتشر في سرقة راحة الشعب.. عن تعطل مشاريع التنمية.. عن شباب بلا وظائف.. وأسر بلا سكن..! هل الدين بالقشور.. ونسيان الجوهر؟! كونوا دعاة بأخلاقكم قبل ترهيب الناس".

        فأقول مستعينًا بالله على الشيطان الذي يلهم أولياءه، نازلًا عند رغبة طبعي في ضرب كل ما يخالف الدين والعُرف: التماثيل -يا سيدة- لها شأن عظيم، سميها إن شئتِ تماثيل، لكنها في الحقيقة أصنام، أعيذك وذريّتك بالله أن تجلّوها أو تعبدوها، أتعرفين ودًا وسواع ويغوث ويعوق ونسرا؟ قطعًا تعرفينهم، هؤلاء أشخاص كانوا من أعبد خلق الله، صنعت لهم تماثيل بهدف تذكير الناس بمدى تعبدهم لله ليكونوا قدوة لهم، ومع تعاقب الأجيال صارت تماثيلهم تُعبد من دون الله، رغم أن الهدف من صناعتها كان شريفًا بزعمهم، فكيف هو الحال بتماثيل يصرح أصحابها أنها لآلهة حسب الثقافة الإغريقية؟ واضعوها لم يطيقوا صبرًا لتتعاقب الأجيال، فصرحوا بكفر بواح بأن مع الله آلهة أخرى.

        أما استخدامكِ للرابط العجيب فإني لأعجب منه، إذ كيف لمن هي مثلكِ أن تأتي بمغالطة سخيفة كهذه، أنتِ بزعمك هذا افترضتِ أن المُطالب بإزالة التماثيل منشغل بها عن الفساد وتعطل المشاريع.. إلخ، ثم ألزمتهم بافتراضك، ثم أتيتِ تحاسبينهم عليه، ولم تتواني عن الطعن بأخلاقهم بزعم أن إنكار المنكر ترهيب للناس، أهل المنطق يسمون ما أتيتِ به: مغالطة رجل القش، اقرئي عنها وتعلمي اجتنابها في كلامك لاحقًا.

        وعلى ذكر الترهيب يا سيدة، يلزم من كلامكِ إن كانت المطالبة بإزالة التماثيل ترهيبًا؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن داعية بأخلاقه، وأنه رهّب الناس يوم أمر بتحطيم الأصنام، حاشاه طبعًا، وأدعوك مخلصًا لتتوبي وتعلني لمن قرأ ويقرأ لكِ أنك ما قلتِ ذلك إلا جهلًا منك، وليس في الجهل عيب إن صاحبه اعتراف واعتذار.

        وإن الجبال لتخر هدًا مما قالته السيدة حين سألت: "هل الدين بالقشور ونسيان الجوهر؟"، بل هو لبّ الدين، فوجود الأصنام ينافي التوحيد الذي لن يدخل الجنة أحد برحمة الله إلا إن أقرّه، فكيف يكون أحد موحدًا وهو يمر بجانب تمثال يدّعي صانعوه وواضعوه أنه إله..!!

        أخيرًا أقول، وأخاطب من يشد على يدكِ من الليبراليين والجهلة بنفس المنطق: لو افترضنا غير ما كان، وأن لا أحد طالب بإغلاق الأندية أو إزالة الأصنام؛ هل سينتج عن ذلك تحرك عجلة التنمية؟ هل سيحصل الشباب على وظائف؟ هل ستسكن الأسر أخيرًا؟ أنتم تنادون في جهة خاطئة، تعلموا المنطق قبل أن تنطقوا، فما تتفوهون به يبقى وإن رحلتم، لا تجعلوا من أنفسكم سخرية ولا أضحوكة، فإن (ابن الجوزي) مات منذ قرون، لكن موته -رحمه الله- لن يمنعني من تأليف جزء ثانٍ لكتابه الرائع: (أخبار الحمقى والمغفلين)، وسأورد تغريداتكم مصوّرة، مع ترجمة لكل واحد منكم، لتعلم القرون اللاحقة أن الحُمق ليست حصرًا لقرن دون آخر.

سعد المحطب
17-8-2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق